Page 134 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 134

‫العدد ‪١٩‬‬                              ‫‪132‬‬

                                      ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

 ‫العربية‪ ،‬وساهمت بقسطها أي ًضا‬            ‫الموروثات الإسلامية المروية‪،‬‬          ‫وقرابة ثلاثمائة مؤلف أصيل‬
     ‫في هذا التطور مراكز إيرانية‬             ‫التي اشتهرت بها كأعمال‬             ‫وبضعة عشرات من المؤلفات‬
     ‫وأفغانية ومن آسيا الوسطى‬
                                         ‫كلاسيكية‪ ،‬ومؤلفات قدم فيها‬                               ‫المترجمة‪.‬‬
   ‫من مثل شيراز وهمدان والري‬            ‫نتائج شروحات القرآن وأسفار‬                 ‫على أن تقاليد الماضي غير‬
   ‫ونيسابور وبلخ وعزنة وهراة‬          ‫واسعة جمعت في صفحاتها جميع‬              ‫الكتابي كانت لا تزال قوية‪ ،‬فقد‬
                                       ‫المواد المتراكمة في المرحلة الأولى‪،‬‬    ‫كتب القرآن بعد مرحلة المناوحة‬
        ‫ومرو وسمرقند وبخارى‬                                                   ‫الطويلة‪ ،‬وبدا كما لو أن عمر بن‬
      ‫وهيركانيا‪ ،‬واحتفظت بغداد‬             ‫والمؤلفات الجغرافية والطبية‬        ‫الخطاب قد حظر كتابة الحديث‪.‬‬
 ‫كعاصمة ثقافية للعالم الإسلامي‬            ‫العربية الأولى‪ ،‬ومؤلفات النثر‬          ‫فقد اعتبر التدوين أيام حكم‬
‫بأهميتها إلى أن دمرها المنغوليون‬                                              ‫الأمويين بدعة خطرة في البداية‪،‬‬
                                                               ‫الفنى‪.‬‬             ‫وتحد ًّيا للتقاليد العربية‪ .‬مع‬
                 ‫عام ‪)15(.»1258‬‬         ‫واستمر العمل في القرن العاشر‬        ‫الزمن غلبت الطريقة الكتابية لنقل‬
    ‫واختصا ًرا لما سبق‪ ،‬نقول‪ :‬إن‬      ‫والنصف الأول من القرن الحادي‬           ‫المعارف‪ ،‬على أن التناقل الشفوي‬
   ‫الثقافة العربية قبل الإسلام لم‬                                            ‫احتفظ بأهمية كبرى مشك ًل أحد‬
    ‫يكن لها أثر أو ذكر مثبت‪ ،‬إلا‬          ‫عشر بنشاط لا يفتر في جميع‬          ‫الملامح المميزة للثقافة العربية في‬
   ‫بعد الإسلام والفتوحات شر ًقا‬       ‫المجالات‪ .‬وقد صدرت أعداد هائلة‬
    ‫وغر ًبا‪ ،‬وأن التحضير للكتابة‬                                                           ‫القرون الوسطى‪.‬‬
    ‫والتوثيق بالعربية أخذ قرنين‬         ‫من المؤلفات في مختلف المجالات‬               ‫وحدث النهوض الحقيقي‬
   ‫من الزمن‪ ،‬لتقوم بعدها على يد‬       ‫المعرفية‪ ،‬وقد حقق كل من الشعر‬            ‫للكتابة العربية في القرن الثاني‬
   ‫ومجهود من هم من البلاد غير‬          ‫العربي والنثر الفني نجا ًحا باه ًرا‬    ‫(‪ )850 -750‬وفي هذه المرحلة‬
    ‫العربية الذين اجتهدوا لمعرفة‬                                                 ‫تغدو بغداد أهم مركز ثقافى‪.‬‬
     ‫اللغة وقدموا للثقافة العربية‬       ‫ويتصاعد تطور الآداب والعلوم‬            ‫هنا أنشئت (دار الحكمة) التي‬
 ‫مساهماتهم في شتى المناحي‪ ،‬بما‬           ‫العربية للقرون الوسطي حتى‬             ‫بلغ نشاطها أوج ازدهاره أيام‬
‫فيها علم الحديث والفقه‪ ،‬اللهم إلا‬          ‫الذروة في هذه المرحلة خلال‬             ‫حكم المأمون (‪)833 -813‬‬
  ‫وقد سبقهم تدوين القرآن الذي‬         ‫قرنين من الزمن (‪.)1050 -850‬‬              ‫الذي كان يتميز بمواهب علمية‬
   ‫أخذ حوالي الثلاثين عا ًما‪ .‬حتى‬          ‫وإذا ما سارت الحياة الأدبية‬          ‫فائقة‪ ،‬وقد ألف القسم الأكبر‬
   ‫في بداية اهتمام الدولة الأموية‬                                               ‫من المنجزات في مجال العلوم‬
  ‫(‪ 40‬هجرية) بالكتابة والتدوين‬              ‫والعلمية في القرون السابع‬        ‫الدقيقة التي اشتهرت بها العلوم‬
‫راح اهتمامهم إلى تدوين الأحداث‬               ‫والثامن والتاسع بالدرجة‬        ‫باللغة العربية في القرون الوسطي‬
‫والوقائع والشعر الشفاهي‪ ،‬واهتم‬              ‫الرئيسية في المدينة والكوفة‬     ‫بجهود المترجمين والعلماء من دار‬
 ‫معاوية اهتما ًما كبي ًرا بالموروثات‬  ‫والبصرة ودمشق وبغداد‪ ،‬على أنه‬
    ‫القبلية والتاريخ الخيالي لشبه‬     ‫تشكل مع حلول التفتت الإقطاعي‬                                 ‫الحكمة»‪.‬‬
                                      ‫عدد كبير من المراكز الثقافية‪ ،‬وقد‬                 ‫***‬
       ‫الجزيرة العربية على وجه‬        ‫طمحت عاصمة كل سلالة مستقلة‬             ‫«وقد أعطت التراجم من اليونانية‬
                    ‫الخصوص‪.‬‬                  ‫إلى أن تغدو بغداد صغيرة‬           ‫والسورية والبهلوية‪ ،‬والتثبيت‬
                                        ‫بفقهائها ولاهوتييها‪ ،‬بشعرائها‬        ‫الكتابي للإرث العربي الشفاهى‪،‬‬
  ‫ونعود إلى ما قاله فضيلة الإمام‬         ‫وكتبتها ومنجميها‪ ،‬وغدت منذ‬            ‫أعطت النشاط الأدبي والعلمي‬
     ‫د‪.‬على جمعة‪ ،‬لنجد أن المعني‬         ‫القرن العاشر ‪-‬ولمرحلة قصيرة‬           ‫باللغة العربية مدى لا يعهد من‬
    ‫من كلمة اجتهاد هذه والقصد‬           ‫الأجل أحيا ًنا‪ -‬مدن مثل قرطبة‬          ‫قبل‪ ،‬ويظهر في النصف الثاني‬
     ‫الواضح هو اجتهاد في الفقه‬             ‫وطائقة من المدن الأخرى في‬        ‫من القرن التاسع سيل من الكتب‪،‬‬
                                      ‫إسبانيا والقيروان وفاس وتاهرت‬             ‫ترجمات جديدة‪ ،‬ومجموعات‬
   ‫والتشريع‪ ،‬ولا غضاضة‪ ،‬وبعد‬            ‫وتونس في المغرب‪ ،‬والقاهرة في‬
    ‫تلك الفترة الناهضة أغلق باب‬         ‫مصر‪ ،‬ودمشق وحلب والقدس‬
                                       ‫وطرابلس في سورية وفلسطين‪،‬‬
      ‫الاجتهاد ليحل محله التقليد‬            ‫غدت مراكز ضخمة للكتابة‬
   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139