Page 139 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 139

‫‪137‬‬

  ‫الوحي والإيمان به لكنها ليست‬       ‫ذاتية تجعله حاك ًما متحك ًما فيها‬   ‫استجلبت أو استحدثت وتبدلت‪،‬‬
 ‫وحيًا‪ ،‬بل هي فهم بشري وقراءة‬        ‫فيوقف بعضـها أو يضيف عليها‬              ‫فالثقافة تحدث دائ ًما ويمكن‬
‫له وبالتالي إعمال عقل ومكون من‬
‫مكونات الثقافة العامة ومعطياتها‬                          ‫أو يحدثها‪.‬‬       ‫تغييرها وتبديلها أو البناء عليها‬
                                    ‫الأمر إذن ملتبس ويحتاج الفصل‪.‬‬          ‫واستخدام غيرها وف ًقا لحاجة‬
     ‫والتي هي عاجزة وحدها عن‬                                              ‫الفرد وانتقالاته بين المجتمعات‬
    ‫إجابة الأسئلة الكونية الكبرى‬      ‫ولكي نحاول الفصل هنا وإزالة‬
  ‫بمعزل عن معطيات الدين‪ ..‬ولو‬         ‫الالتباس‪ ،‬لا بد من التفريق أو ًل‬   ‫متعددة الثقافات وحرية الانتقاء‬
 ‫أن الأمر بقي على حاله لأصبحت‬                                              ‫منها‪ ،‬يتبع هذا ولا يتبع ذاك‪..‬‬
‫العلاقة بين التدين والثقافة علاقة‬       ‫وفض الاشتباك والخلط الذي‬
‫تكاملية‪ ،‬فكر يقابله فكر بل يدعمة‬       ‫أحدثته الجهالة بقصد أو بفعل‬       ‫ولا أخطئ هنا حين أقول إن من‬
     ‫ويقويه‪ ،‬إلا أن الواقع يخالف‬       ‫غياب المعرفة والكسل‪ ..‬الفصل‬         ‫لا يؤمن بالتغيير والتحديث في‬
‫التصور‪ ،‬فهل ترك أهل التدين با ًبا‬       ‫بين الدين والتدين كمفهومين‬         ‫الثقافة عمو ًما ومعطياتها وكل‬
                                       ‫متلازمين‪ ..‬فالدين وحي إلهي‬       ‫منتجاتها فهو متخلف رجعي مآله‬
             ‫لحرية إعمال الفكر؟‬        ‫مقدس مصدرة الله‪ ،‬أما التدين‬
   ‫لم يكتفوا بثوابت الدين المقدس‬       ‫ومعرفة الدين فهو أعمال عقل‬                      ‫التحجر والثبات‪.‬‬
‫على حساب إعمال العقل وانطلاقه‪،‬‬                                             ‫ونضيف أي ًضا أن العلاقة بين‬
                                          ‫وأفكار بشر تسعى إلى فهم‬
    ‫بل إنهم أضافوا القدسية على‬        ‫الدين‪ ..‬ولا يمكن بأي حال نفي‬            ‫الدين والثقافــة في المفهوم‬
 ‫كل منتج مهما يكن لطالما يتماس‬         ‫قدسيتها أي ًضا‪ ،‬لكن من المؤكد‬       ‫الغربي‪ ،‬والذي أخذنا عنه دون‬
  ‫مع الوحي الإلهي وإن كان فه ًما‬     ‫كذلك صعوبة التسليم بقدسيتها‬          ‫مراجعة للأسف‪ ،‬تجعلنا نخطئ‬
                                                                        ‫الفهم في الكثير من الأمور المتعلقة‬
          ‫خاطئًا أو عاب ًرا ضح ًل‪.‬‬        ‫في المطلق مثلها كمثل النص‬     ‫بجوانب متعددة‪ ،‬بداية من مفهوم‬
       ‫«إن الدعوة إلى التطوير في‬                            ‫الإلهى‪.‬‬        ‫الثقافة ذاته ومكوناتها‪ ،‬وحتى‬
‫مجالات الإنتاج وأنماطه والانتقال‬                                           ‫طرق تناولها وتبادلها‪ ..‬فكلمة‬
    ‫من عصر الزراعة والقبلية إلى‬      ‫وما الدين إلا إجابة إلهية ووحي‬      ‫‪ Religion‬في التعبير الإنجليزي‬
    ‫عصر الصناعة وما بعدها مع‬             ‫منزل استجابة لسؤال ثقافي‬
    ‫الحفاظ على ما يسمى بالثقافة‬                                             ‫وفق ثقافة اللغة‪ ،‬تعني نظا ًما‬
    ‫العربية الإسلامية هي دعوات‬      ‫بشري بالأساس يتعلق بالوجود‪..‬‬         ‫عقد ًّيا شخصيًّا ‪-‬منهج شخصي‬
      ‫لا تستوعب مسيرة التطور‬          ‫جواب عن سؤال غيبي ولم يكن‬          ‫وتصديق ينبع من قناعة الفرد‪-‬‬
      ‫الحضاري ولا تفهم العلاقة‬           ‫في مقدور أحد من البشر أن‬
  ‫الجدلية بين الثقافة والحضارة‪.‬‬     ‫يجيب عنه‪ ،‬وستظل البشرية كلها‬            ‫في حين أن المفهوم الإسلامي‬
   ‫إذ ليس بالإمكان حدوث تطور‬                                              ‫للدين يعني أنه حق من َّزل يجب‬
      ‫وتغير في نمط الإنتاج دون‬      ‫عاجزة عن إجابته حتي أهل الدين‬          ‫إقامته ويشمل العقيدة والعمل‬
 ‫حدوث تحولات اجتماعية واسعة‬         ‫أنفسهم في مواجهة من هم خارج‬            ‫بها‪ ،‬والخارج عنها إما كافر أو‬
  ‫وعميقة تؤدي إلى تطوير الثقافة‬                                         ‫مرتد‪ ،‬ويقتل‪ ..‬لذلك‪ ،‬فهناك يصح‬
‫بشكل نوعي‪ ،‬وليس هناك إمكانية‬            ‫ملتهم‪ ..‬سؤال كوني وجودي‬
     ‫لتغيير نمط الإنتاج الحالي في‬      ‫مركب من مجموعة كبيرة من‬               ‫أن يدخل ضمن الثقافة حين‬
   ‫اتجاه العصر دون تطور ثقافي‬           ‫الغيبيات حول علاقة الإنسان‬       ‫يتحدث الغرب عن مكوناتها وفق‬
‫يقود عملية التغيير ويتفاعل معها‬       ‫بالكون وعلة وجودة وكيف بدأ‬          ‫المفهوم العام لها على أنها متغير‬
   ‫ويتغير بسببها ونتيجة لها»(‪)17‬‬                                        ‫دائم‪ ..‬أما هنا فلا يصح أن يكون‬
                                              ‫وإلى أين ينتهي ولماذا؟‬    ‫ضمنها ‪-‬وكما أوضحنا من قبل‪-‬‬
                                          ‫سؤال احتارت فيه البشرية‬       ‫لثباته ورسوخه وعدم القدرة على‬
                                     ‫وشغل الفلاسفة والعلماء وحتى‬        ‫التعديل عليه أو التغيير فيه‪ ،‬حتى‬
                                       ‫الشعراء منذ بدء الخليقة‪ ..‬إذن‬     ‫منهاج المسلم الفرد‪ ،‬فهو محكوم‬
                                      ‫فالوحي الإلهي المنزل ما هو إلا‬
                                       ‫رسالة إلهية بإجابة عن سؤال‬         ‫بثوابت يقينية وشرائع ثابته لا‬
                                         ‫باحث عن المعرفة بالأساس‪،‬‬          ‫تبديل لها وليس له من قناعـة‬
                                         ‫والمعرفة الدينية مستمدة من‬
   134   135   136   137   138   139   140   141   142   143   144