Page 129 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 129

‫كلمة «ح ًّقا» ليست كلمة يمكننا‬                                     ‫الدستورية والقانونية والمدينية‬
      ‫استخدامها بثقة وبساطة‪ ،‬لو أن‬                                       ‫والعمرانية والخدمية والسكانية‬
 ‫للنيترينو (جسيم أصغر من الإلكترون)‬                                      ‫والإعلامية إلخ‪ .‬ناهيكم عن دور‬
   ‫دماغ طوره من أسلافه ذوي الأحجام‬                                      ‫ذلك «التشكيل» في تطوير المجتمع‬
‫النيترونية لقال إن الصخور ح ًّقا مكونة‬
   ‫من فضاء فارغ‪ ..‬لدينا أدمغة تطورت‬                                          ‫وتربوياته وعلومه ومعارفه‬
    ‫من أسلاف ذوي أحجام متوسطة لا‬                                          ‫وأساليب حياته وتنمية تفكيره‬
  ‫يستطيعون السير من خلال الصخور‪،‬‬
     ‫«ح ًّقا» بالنسبة لحيوان هي كل ما‬                                        ‫ومدارسه وجامعاته وأنديته‬
‫يحتاجه دماغه لكي يساهم في بقائه‪،‬‬                                           ‫وملتقياته ومعارضه ووسائل‬
  ‫ولأن هناك أنواع مختلفة تعيش في‬                                          ‫راحته وملاعب أطفاله‪ ..‬إضافة‬
    ‫عوالم مختلفة‪ ،‬سيكون هناك تنوع‬                                         ‫إلى دور ذلك «التشكيل الثقافي»‬
                                                                            ‫في تحديث الحياة الاقتصادية‬
                        ‫مزعج للحقيقيات‬                                      ‫ومجالاتها النفعية والأسواق‬
                                                                           ‫والاستثمارات والبني التحتية‬
    ‫الإسلام في جوهره الناصع‬       ‫تقليديين وإصلاحيين وتراجعيين‬           ‫وعمليات التبادلات والمواصلات‬
     ‫ومبادئه السمحاء ومعتقده‬      ‫وسلفيين وأصوليين‪ ..‬وغيرهم أن‬           ‫والاتصالات والتسويق والبنوك‬
      ‫الراسخ وسموه وتجلياته‬                                                 ‫واحترام ساعات العمل‪ ..‬إلخ‪.‬‬
   ‫العظمى‪ ،‬وبعكسه فإن الحياة‬       ‫يقيموا جسور حوار مع المثقفين‬           ‫إن حصيلة ما يقدمه «التشكيل‬
  ‫الحديثة والمعاصرة تطالب من‬       ‫الحقيقيين من أجل أن تكون لهم‬
 ‫يقف ضد أي نوع من تشكيلها‬                                                      ‫الثقافي» في أي أمة تسعي‬
  ‫الثقافي أن لا يستخدم وسائلها‬        ‫مشاركتهم ومنافعهم الحيوية‬               ‫نحو التطور والتحديث هو‬
    ‫العولمية المتطورة ومنتجاتها‬         ‫للمجتمع في عملية الإرشاد‬           ‫جزء أساسي من عملية المنجز‬
  ‫التكنولوجية المفيدة وإبداعاتها‬                                        ‫الحضارى‪ ..‬ومن دون شك‪ ،‬فإن‬
      ‫الخدمية الرائعة وأساليب‬      ‫والتهذيب وزرع مكارم الأخلاق‬              ‫المفكرين الأصلاء من المثقفين‬
‫الاتصالات السريعة والمواصلات‬            ‫ليس إلا‪ ،‬وعليهم أن يؤمنوا‬            ‫الحقيقيين في أية أمة تحترم‬
    ‫الجديدة‪ ..‬فض ًل عن وجوب‬                                                 ‫نفسها وتاريخها‪ ،‬إنما يقفون‬
  ‫انتزاعهم واستئصالهم حالات‬          ‫بالثقافة الحديثة ويشاركوا في‬       ‫على رأس ذلك «التشكيل»‪ ،‬فمنهم‬
     ‫التناقض والمزدوجات التي‬         ‫مجالاتها الخصبة أد ًبا وشع ًرا‬       ‫المستشارون ومنهم المساعدون‬
                                                                        ‫ومنهم التكنوقراط والبراجماتيون‬
      ‫يعيشونها ليل نهار!!»‪)10(.‬‬          ‫وفنًّا وغنا ًء ورس ًما ونحتًا‬        ‫ومنهم المبدعون والفنانون‬
    ‫وإلي هنا يبدو أن الأمر أكثر‬        ‫وموسيقى‪ ..‬فك ًرا وفولكلو ًرا‬            ‫والإعلاميون والمختصون‬
‫اتسا ًعا‪ ،‬متاهة كبرى من الشرق‬           ‫وحداثة وإعلا ًما ومتغيرات‬         ‫وحتى البعض الذكي من القادة‬
   ‫للغرب‪ ،‬فالعديد من التعاريف‬     ‫اجتماعية وسياسية وتعلم لغات‪..‬‬             ‫السياسيين‪ ..‬وكلهم لا بد أن‬
    ‫متناقضة وفضفاضة‪ ،‬وكلما‬            ‫قوانين وتحديثات وسياسات‬           ‫يشاركوا صانع القرار في الخطط‬
                                  ‫واتجاهات وحريات وحقوق عمل‬             ‫والمشروعات والبرامج التي تعمل‬
                                   ‫ومتطلبات واقع واشتغال المرأة‪..‬‬           ‫أسا ًسا من أجل المستقبل على‬
                                                                          ‫أسس علمية من أجل التغيير لا‬
                                                             ‫إلخ‪.‬‬           ‫من أجل الإصلاح‪ ،‬ومن أجل‬
                                      ‫وكل ذلك لا يتعارض أب ًدا مع‬          ‫التحديث لا من أجل التراجع‪..‬‬
                                                                           ‫ويبقى الإحيائيون مهما كانت‬
                                                                               ‫فصائلهم وتوجهاتهم من‬
   124   125   126   127   128   129   130   131   132   133   134