Page 124 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 124

‫العـدد ‪١٩‬‬                ‫‪122‬‬

                                                 ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

    ‫من ظواهر وشواهد‬                  ‫جان بودلير‬              ‫ديفيد دويتش‬  ‫جاك دريدا‬
  ‫لا تفسير لها‪ .‬قد كان‬
                                         ‫عرف فيزياء الكم؟ وماذا كان‬         ‫الأرض تدور بدل أن الشمس‬
    ‫العالم وقتها مخي ًفا‬                 ‫يدور بذهنه حين قال بدوران‬      ‫تدور حولها‪ ،‬لدرجة يصعب علينا‬
  ‫مرعبًا‪ ،‬والجهل أي ًضا‪،‬‬              ‫الشمس حول الأرض؟ وماذا عن‬          ‫إدراك الثورة العقلية التي آثارها‬
                                      ‫حكمه بوجوب قتل كل من خالف‬
      ‫ونقصان المعرفة‪.‬‬                   ‫فهمه ومصادرة أمواله؟! بئس‬          ‫ذاك الاكتشاف‪ ،‬فعلي كل حال‪،‬‬
 ‫الفايكينج مث ًل (‪-750‬‬                   ‫ما يفعلون‪ ..‬أظنه قول الرؤية‬        ‫ما نراه بأعيننا هو أن الأرض‬
 ‫‪1050‬م تقريبًا) هؤلاء‬                ‫المجردة بلا تأمل أو سؤال معرفي‬        ‫كبيرة عديمة الحركة والشمس‬
                                        ‫بعي ًدا ليدرك حقيقة الوجود‪ ،‬أو‬    ‫صغيرة تدور حولها‪ ،‬ولكن من‬
   ‫الأكثر قوة وشراسة‬                   ‫ربما ظن هو أن خبرها قد جاءه‬      ‫الجدير ذكر ملاحظات الفيلسوف‬
    ‫كما قالت سـيرهم‪،‬‬                 ‫وحيًا لقداسته كما هو الحال فيما‬     ‫(فيتكينشتاين) في هذا الموضوع‪:‬‬
     ‫كانوا يعتقدون أن‬                    ‫سيأتي من خرافات وتخيلات‬          ‫سأل صدي ًقا ذات مرة‪ :‬اخبرنى‪،‬‬
  ‫هناك كائنات غرائبية‬                   ‫ظن أصحابها علم الغيب وحيًا‬      ‫لماذا يقول البعض أنه من الطبيعي‬
  ‫خارقة للعادة وتسبب‬                    ‫إليهم‪ ،‬فجاءوا بكتبهم مخالفين‬     ‫أن يظن الناس ساب ًقا أن الشمس‬
                                      ‫المنطق وما ورد من تنزيل العزيز‬
      ‫الظواهر الطبيعية‬                                                         ‫تدور حول الأرض بدل أن‬
    ‫جميعها‪ ،‬فللبرق إله‬                                       ‫الحكيم!‬    ‫الأرض تدور حول نفسها‪ ،‬فأجابه‬
     ‫«ثور» وللعواصف‬                      ‫وأعود لأذكر‪ ..‬أننا هنا بصدد‬
   ‫البحرية إله «أيجير»‬                                                     ‫صديقة‪ :‬بالطبع لأن الظاهر هو‬
  ‫وإله ثالث يسمي «سكول» كان‬                  ‫الحديث في العلم والمعرفة‬     ‫أن الشمس تدور حول الأرض‪،‬‬
    ‫سكول هذا إل ًها ذئبًا يعيش في‬        ‫والثقافة‪ ،‬والكشف عما يحيط‬      ‫فأجابة فيتكنيشتاين‪ ،‬وكيف كانت‬
‫السماء ويأكل الشمس‪ ،‬هذا النهم‬                                             ‫ستبدو لو ظهر لهم كأن الأرض‬
    ‫الذئبي هو ما يسبب الظاهرة‬              ‫البنية المعرفية من معوقات‪.‬‬
   ‫المعروفة الآن باسـم «كسوف‬            ‫تقول أساطير الشعوب القديمة‬              ‫تدور حول الشمس؟»‪)5(.‬‬
‫الشمس» ويعرض الأرض للظلمة‬            ‫قبلنا‪ ،‬أن الآلهة صنعت كل شىء‪،‬‬        ‫هل فهم شيخهم المقدس ما جاء‬
 ‫الموحشة‪ .‬لذلك‪ ،‬سرعان ما تفتق‬           ‫وجعلوا لكل حادثة إل ًها خاصا‬     ‫بالنص أم التزم بما حفظ شكلا؟!‬
‫ذهنهم الفقير وقتها واجتمعوا على‬      ‫بها‪ ،‬يلصقون به ما تحدثه الطبيعة‬
   ‫الوقوف في مواجهة ذاك الذئب‬                                                 ‫وهل نما إلى علمه ما يحدثه‬
     ‫المرعب الذي لا يرونه وليس‬                                           ‫العلم وما يتحدث به العلماء؟ هل‬
    ‫له من أثر اللهم إلا في المخيلة‪،‬‬
‫ومخافة اختفاء الشمس في جوفه‬
     ‫اللعين‪ ،‬اتفقوا أن يتصايحوا‬

       ‫بصوت جماعي كالصراخ‬
  ‫حتى يهرب مفزو ًعا ويبتعد عن‬

     ‫شمسهم وتنقشع الظلمة!(‪)6‬‬
     ‫هذا عن أسطورة واحدة من‬
     ‫الأساطير القديمة‪ ،‬فماذا عن‬
    ‫حداثتنا نحن أصحاب كل هذا‬
‫الزخم الحضاري والعلم والمعرفة‬
    ‫والتجربة واليقين الثابت؟ أما‬
 ‫زلنا نطرق العلب الصفيح وندق‬
‫الطبول ونتصايح حد الصراخ في‬
   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128   129