Page 130 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 130

‫العـدد ‪١٩‬‬                             ‫‪128‬‬

                                      ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

 ‫والموروث والفنون الخاصة بها‪..‬‬        ‫أن يكافح ضد التقاليد والخرافات‬          ‫تتبعناها ازدادت غمو ًضا‪ ،‬وكما‬
   ‫ومن المؤكد أن الثقافة الروحية‬       ‫والغرائز‪ ،‬وأن انتصار الحضارة‬               ‫يقول المثل الشعبي المصري‬
  ‫كانت هي المفضلة على الحضارة‬           ‫الإنسانية أمر مفروغ منه‪ ..‬هذه‬             ‫«جه يكحلها عماها»‪ ،‬لتختل‬
                                                                                   ‫المفاهيم وتتباين حتى عند‬
‫المادية القاسية وحضارة الصفوة‬              ‫العقيدة الفرنسية قد تشكلت‬
   ‫الفرنسية‪ ،‬ومن المؤكد أي ًضا أن‬        ‫منذ القرن الثامن عشر ضد ما‬            ‫أهلها ومن اخترعوها من علماء‬
  ‫الاختلافات الثقافية هي الأقرب‬           ‫اعتبره الفلاسفة وقتذاك قوى‬           ‫الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع‬
     ‫إلى طبيعة البشر والكون ولا‬                                                 ‫الأوروبيين‪ ،‬ولا يستطيع أحد‬
                                           ‫الانفعال واللاعقلانية‪ ،‬والتي‬     ‫منهم الوصول بنا إلى ملامح كلية‬
‫توجد طبيعة إنسانية واحدة‪ ..‬هذه‬         ‫كانت تمثلها الكنيسة الكاثوليكية‬
  ‫الطرق المناهضة للعولمة والمؤيدة‬                                               ‫واضحة حول التراكم المعرفي‬
    ‫لتعدد الثقافات‪ ،‬فكانت تعرف‬            ‫والنظام السياسي الاجتماعي‬              ‫والبنية الثقافية وكيفية تعلم‬
      ‫ما يقابلها على أنه‪ :‬العقلانية‬         ‫المؤيد لها قبل الثورة‪ .‬وعلى‬        ‫الثقافة الجامعة‪ ،‬فالأمر يحتاج‬
 ‫والعلمية والحضارة الكونية ‪-‬أي‬                                              ‫بالضرورة ‪-‬في ظني‪ -‬إلى وسائط‬
                                          ‫النقيض منها ورغم انتشارها‬            ‫وأدوات تحتاج هي –أي ًضا‪ -‬إلى‬
‫التنوير‪ -‬وهذه التوصيفات ترتبط‬            ‫في فرنسا وأوروبا‪ ،‬فقد ظهرت‬           ‫وعي مسبق وقدرة استيعاب في‬
  ‫كلها بالقيم المادية وبالرأسمالية‬      ‫نظرية معارضة من قبل العلماء‬             ‫محاولة التراكم أو ًل ثم البنية‬
  ‫وبالنفوذ السياسي الاستعماري‬                                               ‫الثقافية وتوجهها ثانيًا‪ ،‬وللأسف‪،‬‬
      ‫والتي بالتالي تشكل تهدي ًدا‬          ‫والفلاسفة الألمان ومعظمهم‬         ‫فالغالب الأعم من الذين يتابعون‬
  ‫صري ًحا للثقافة الأصلية وتحكم‬               ‫ممن ينتمون إلى الكنيسة‬           ‫بالبحث في أمورها أو العاملين‬
   ‫عليها بالانقراض‪ ..‬ثم أضافوا‪:‬‬                                                ‫عليها وبها وتحولاتها‪ ،‬يعلمون‬
  ‫لقد أفسدت العولمة اللغة وطغت‬          ‫البروتستانتية‪ ،‬والذين حرضوا‬              ‫يقينًا أنه لا جديد يذكر لدينا‪،‬‬
    ‫العقلانية على الإيمان الدينى‪،‬‬           ‫على دعم ومساندة الموروث‬             ‫اللهم إلا عنوان عريض رئيس‬
       ‫وعملت على إضعاف القيم‬                                                ‫يدعي بالثقافة‪ ،‬وكفى! فالكل يعيد‬
      ‫الروحية التي تشكل السمة‬             ‫الشعبي ضد ما يسمي بعالمية‬            ‫ما طرح من قبل خلال القرنين‬
    ‫الرئيسية للمجتمع المتجانس‪..‬‬         ‫الحضارة‪ ،‬والقيم الروحية ضد‬                ‫الثامن عشر والتاسع عشر‬
  ‫لذلك كان على النظرية الفرنسية‬       ‫المادية‪ ،‬والفنون والحرف الشعبية‬          ‫بأشكال مغايرة وألوان جديدة‪،‬‬
                                          ‫ضد ما يسمي بفنون الصفوة‬            ‫لكنها في مجملها لا تخرج بقانون‬
‫بتوجهاتها نحو الحضارة الكونية‬                                                 ‫محدد‪ ،‬وكل ما يفعلونه فقط هو‬
  ‫أو العولمة‪ ،‬أن تكافح بكل طاقتها‬         ‫أو الطبقة العليا‪ ،‬بل أنها ‪-‬أي‬      ‫الدوران حولها وإعادة تسـميتها‬
‫للتغلب على انتشار نظرية الثقافات‬           ‫النظرية‪ -‬حرضت على ثقافة‬             ‫وتفعيلها ضمن سياق تاريخي‬
                                      ‫العامة وما يسمي بأفكار الخرافة‬
     ‫التقليدية بخرافاتها ورؤيتها‬                                                               ‫جديد‪ ..‬ربما!‬
     ‫اللاعقلانية كما يعتقد أهلها‪.‬‬                  ‫ضد العقل الصرف‪.‬‬          ‫فالنظرية الفرنسية تري أن الثقافة‬
‫«إن في مقدور هذه الأيديولوجيات‬        ‫ورغم أن النظرية الألمانية الروحية‬
  ‫المتضادة إشعال البلاغة القومية‬       ‫قد وجدت ترحيبًا وتأيي ًدا واس ًعا‬        ‫إنجاز عالمي إنساني تراكمى‪..‬‬
     ‫وتحريك المشاعر الجماهيرية‬                                                   ‫والبشر متشابهون من حيث‬
   ‫في زمن الحرب‪ ،‬ولكن حتى في‬           ‫ضد النظرية المادية الفرنسية إلا‬         ‫الطاقات والقدرة على خلق عالم‬
 ‫أكثر حالاتها تطر ًفا فإنها لم تكن‬      ‫أنها هي الأخرى لا تقدم جدي ًدا‬         ‫مرجعه العقل‪ ..‬فنادت بالعولمة‬
 ‫مجرد خطاب قومى‪ ،‬وقد تعاطف‬               ‫ولا تشكل قانو ًنا عا ًّما‪ ،‬فما قد‬   ‫ووجود النخبة أو الصفوة وأهل‬
  ‫عدد من المفكرين الفرنسيين مع‬                                                  ‫الطبقة العليا‪ ،‬ولا مانع من أن‬
 ‫الحركة المعادية للتنوير‪ ،‬ولو أنها‬          ‫يكون صحي ًحا هنا لا يكون‬          ‫ينعم في ظلها كل الآخرين‪ ،‬وإن‬
 ‫فقط تدافع عن الدين ضد التدمير‬           ‫صحي ًحا على الجانب الأخر من‬         ‫لم يكن بنفس القدر‪ ..‬وعلى العقل‬
    ‫العقلاني الغادر‪ ..‬أما في ألمانيا‬     ‫العالم‪ ..‬لكن إذا تلاشى الإيمان‬
                                        ‫الروحي فقدت الحياة كل معني‬
                                      ‫لها‪ ..‬وبرغم المد الواسع للحضارة‬
                                      ‫المادية في كل أوروبا تقريبًا‪ ،‬كانت‬
                                         ‫الدول المنفردة تكافح بضراوة‬
                                        ‫للحفاظ على ثقافتها المعبرة عنها‬
                                      ‫في أقصى صورها من خلال اللغة‬
   125   126   127   128   129   130   131   132   133   134   135