Page 162 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 162

‫العـدد ‪١٩‬‬                                                        ‫‪160‬‬

                                               ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬                                                  ‫د‪.‬أحمد صالح‬
                                                                                                           ‫محمد السيد‬
 ‫العقل حين ينطلق في تحصيل‬                          ‫تعد النزعة النقدية من‬       ‫النزعة النقدية عند الغزالي‬
    ‫المعرفة في استقلالية تامة‪،‬‬
                                                  ‫السمات الواضحة في الفكر‬
‫ومن ثم ارتبطت الروح النقدية‬                          ‫الإسلامي الفلسفي‪ ،‬فقد‬
‫بسيادة العقل الاجتهادي قويت‬                        ‫دأب مفكروه على تأسيس‬

 ‫بقوته‪ ،‬وضعفت بضعفه حين‬                        ‫منظوماتهم الفكرية على أساس‬
   ‫ألجم عن النظر‪ ،‬وحجب عن‬                        ‫من المنهجية العلمية‪ ،‬ومن ثم‬
                                                ‫أخضعوها للمزيد من‪ :‬البحث‪،‬‬
‫الاجتهاد‪ ،‬وألزم بحرفية النص‪.‬‬                   ‫والفحص‪ ،‬والتحليل‪ ،‬والتمييز‪،‬‬
                                                  ‫والتثبت‪ ..‬وغيرها من آليات‬
                                          ‫(‪)3‬‬   ‫الفكر العلمي النقدي(‪ ،)1‬والذي‬
                                                   ‫اشتمل على النقد بضربيه‪:‬‬
‫في هذا البحث سنشير إشارات‬                        ‫الخارجي‪ ،‬والداخلي‪ ،‬واللذين‬
 ‫سريعة لأحد النماذج المتميزة‬
                                               ‫يشير إليهما «نيبرج» في مقدمة‬
     ‫بنزعتها النقدية في تراثنا‬                     ‫تحقيقه لكتاب «الانتصار»‬
     ‫الفلسفي الإسلامي‪ ،‬وهو‬                        ‫للخياط‪ ،‬بأن النقد الخارجي‬
    ‫الإمام الغزالي‪ ،‬الذي يحتل‬                         ‫يعني بالنظر في أصول‬
    ‫في تاريخ الفكر الإسلامي‬                        ‫المكونات المعرفية‪ ،‬وأصول‬
     ‫مكانة مرموقة‪ ،‬جمع فيها‬                          ‫المذاهب ومصادر الآراء‬
 ‫بين الأصولي الحاذق‪ ،‬والفقيه‬                      ‫والأفكار‪ ،‬أما الداخلي فيعني‬
  ‫المجتهد‪ ،‬والمتكلم بلسان أهل‬                       ‫بالنظر في مضمون الآراء‬
     ‫السنة‪ ،‬والفيلسوف الذي‬
     ‫ناهض الفلسفة اليونانية‬                     ‫والمذاهب والأفكار‪ ،‬وهو يقوم‬
   ‫ومؤس ًسا لفلسفة تقوم على‬                    ‫على الفحص‪ ،‬والتمييز‪ ،‬وغايته‬
‫أصول العقيدة‪ ،‬والصوفي الذي‬
 ‫أسس التصوف السني‪ ،‬وأقام‬                           ‫إصلاح ما يحتاج منها إلى‬
    ‫دعائمه كام ًل‪ ..‬فهو يتمتع‬                                    ‫إصلاح‪)2(.‬‬
   ‫بغزارة معارفة‪ ،‬ومل ًّما إلما ًما‬
 ‫واس ًعا وعمي ًقا بعلوم عصره‪،‬‬                        ‫لقد حفل تراثنا الفلسفي‬
  ‫ارتبطت نزعته النقدية‪ ،‬بغايه‬                      ‫بمفكرين من ذوي الكفاءة‬
 ‫غاياته في الوصول إلى المعرفة‬                      ‫«العلمية» تمتعوا بالنزاهة‪،‬‬
  ‫اليقينية‪ ،‬ونحن سنعتمد على‬                      ‫والموضوعية‪ ،‬والعدل‪ ،‬وعدم‬
‫كتابه «المنقذ من الضلال» فهو‬                     ‫المحاباة‪ ،‬ومن ثم كان نقدهم‬
  ‫الوثيقة المنهجية للغزالي وإن‬                    ‫مبنيًا على ملاحظات هادفة‪،‬‬
 ‫كان ذلك لا يمنع من الرجوع‬                       ‫تبرز مكامن القوة والضعف‪،‬‬
                                                ‫وإبداء الملاحظات الإرشادية‪..‬‬
         ‫إلى مؤلفاته الأخرى‪.‬‬                       ‫وهذا كله يشيع الإبداع في‬
   ‫امتلك الإمام الغزالي ملكات‬
  ‫نقدية من التحليل‪ ،‬والغوص‬                                 ‫المنظومة الفكرية‪.‬‬
                                                  ‫وليس من شك في أن آليات‬
      ‫في أعماق ما يتناوله من‬                     ‫النقد من‪ :‬الفحص‪ ،‬والبحث‪،‬‬
  ‫موضوعات‪ ،‬والنظر فيها من‬                         ‫والتمحيص‪ ،‬والتثبت‪ ،‬وعدم‬
 ‫أفق فسيح‪ ،‬وصاحب منهجية‬
 ‫علمية رصينة تشبه إلى حد ما‬                           ‫الانسياق وراء الأحكام‬
‫نجده عند ديكارت‪ ،‬وفرانسيس‬                      ‫المتسرعة‪ ،‬هي كلها من فعاليات‬
   157   158   159   160   161   162   163   164   165   166   167