Page 166 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 166
ببغداد -في أوقات فراغه من سديدة ،فهي قائمة على التقليد، 164
التصنيف والتدريس ،تمهي ًدا أو إجماع الأمة ،أو مجرد
القبول من ظواهر القرآن ج -اعتبار الحدس (أي الكشف
لنقدها ،حيث ألزم نفسه والسنة ،ويري الغزالي أن الباطني) مفتاح العلوم:
بقاعدة منهجية دقيقه يقول
فيها« :علمت يقينا :أنه لا يقف أكثر جهدهم كان في استخراج اعتبر الغزالي الكشف الباطني
على فساد نوع من العلوم، متناقضات الخصوم ،وإلزامهم الذي عبر عنه بـ(النور) هو
من لا يقف على منتهى ذلك مفتاح العلوم ،فهو الذي
العلم حتى يساوي أعلمهم في إلزامات ربما لا يقتضيها ما يعوض العقل عن عجزه عن
أهل ذلك العلم ،ثم يزيد عليه ذهبوا إليه ،ومن ثم ينتهي
ويجاوز درجته ،فيطلع على ما الغزالي إلى القول« :فلم يكن الوصول إلى اليقين ،وهو هبة
لم يطلع عليه صاحب العلم، الكلام في حقي كافيًا ،ولا من الله ،فكأنه يريد أن يقول:
من غوره وغائله ،ويجاوز لدائي الذي كنت أشكوه شافيًا.
إن العقل وحده لا يستطيع
درجته ،وإذ ذاك يمكن أن ()17 أن يصل إلى اليقين ،وإنما لا
يكون ما يدعيه من فساده
ح ًّقا .ولم أر أح ًدا من علماء ويبدو أن فترة نقده لعلم بد من الاستعانة بالشرع،
الإسلام صرف عنايته وهمته الكلام كانت تحمل بذور الشك غير أنه أعطى للعقل في كتابه
إلى ذلك ،ولم يكن في كتب الذي عاني منه في نيسابور ،في «الاقتصاد في الاعتقاد» الحق
المتكلمين من كلامهم -حيث معية أستاذه «الجويني» ،فدعاه
اشتغلوا بالرد عليهم -إلا ذلك الشك إلى البحث في أحوال في الوصول إلى معرفة الله،
كلمات معقدة ،مبددة ،ظاهرة مستق ًّل عن الشرع ،حيث
التناقض والفساد لا يظن هذه الفرق والمذاهب ،وأدرك يقول« :أما المعلوم بدليل العقل
الاغترار بها بعاقل علمي، تضارب أدلتها ،وإنتاجها دون الشرع ،فهو حدوث
العالم ،ووجوب المحدث،
فض ًل عمن يدعي دقائق نتائج متناقضة ،ثم راح يبحث وقدرته ،وعلمه ،وإرادته ،فإن
العلوم .فعلمت أن رد المذهب في نفس الأدلة ،وفي موازين كل ذلك مما لم يثبت الشرع».
قبل فهمه والإطلاع على كنهه. الحقيقية ،غير أنه طرح ثقته
()16
رمي في عماية. في هذه الموازين وهي كانت في
فشمرت عن ساق الجد في هذا الوقت تعول على :الحس، بهذه القواعد المنهجية راح
تحصيل ذلك العلم من الكتب الغزالي يفحص علوم عصره
والعقل ،وظواهر القرآن، بغية الوصول إلى يقين الحقيقة
بمجرد المطالعة ،من غير والسنة النبوية ،والقضايا الدينية ،وجاء الفحص والنقد
أستاذ ..فأطلعني الله سبحانه
وتعالى بمجرد المطالعة في هذه المشهورة. على الوجه الآتي:
ومما يثير التساؤل كيف لشا ٍّك
الأوقات المختلفة على منتهى أوًل :نقده للمتكلمين:
علمهم في أقل من سنتين ،ثم في علم الكلام على هذا النحو
أن تصدر منه مؤلفات كلامية بداية حصل الغزالي هذا العلم،
لم أزل أواظب على التفكير إيجابية( ،)18ألفها بعد مغادرته وطالع كتب أقطابه ،وتمذهب
فيه بعد فهمه ،قريبًا من سنة بالمذهب الأشعري ،بل وصنف
أعاوده وأردده ،وأتفقد غوائله نيسابور عام478ه إلى فيه ،وانتهي في نقده إلى أن
المعسكر ،وقضى هناك حوالي هذا العلم وف ّي بمقصوده كعلم،
وأغواره ،حتى اطلعت على لكنه غير واف بمقصوده (أي
ما فيه من خداع ،وتلبيس، خمس سنوات)19(. مقصود الغزالي) في الحصول
وتحقيق ،وتخيل ،اطلاع لم على اليقين الذي ينشده ،لأن
ثانًيا :نقده للفلسفة: أدلتهم قائمة على مقدمات غير
بدأ الغزالي بعد فراغه من علم
الكلام بدراسة الفلسفة -وهو