Page 168 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 168

‫العـدد ‪١٩‬‬                                 ‫‪166‬‬

                                 ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬                         ‫يتشوقون إلى معرفة المحجوب‬
                                                                     ‫وكشف ما هو مستور‪ ،‬وذلك‬
‫ربما يحرص على انتزاع الحق‬          ‫أسماء أخر كانوا قد تعلموها‬        ‫بتزكية الباطن وجهاد النفس‪.‬‬
   ‫من أقاويل أهل الضلال‪)28(.‬‬       ‫من صحف إبراهيم وموسى‬
                                                                         ‫أما المنطقيات‪ :‬فهو يقبلها‬
‫ويمكننا القول بأن نقد الغزالي‬               ‫عليهما السلام!(‪)26‬‬        ‫بتحفظ أحيا ًنا وأحيا ًنا أخرى‬
    ‫للفلسفة‪ ،‬نال شهرة بالغة‪،‬‬            ‫يختتم الغزالي في المنقذ‬
                                     ‫من الضلال نقده للفلسفة‬              ‫لا يبدي هذا التحفظ‪ ،‬فهو‬
 ‫حتى قيل إنه أدى إلى القضاء‬         ‫بمجموعة من الوصايا التي‬          ‫يرى أنها لا تتعلق بالدين نفيًا‬
   ‫على الفلسفة‪ ،‬لكن هذا الأمر‬    ‫تعد أصو ًل للنقد‪ ،‬لكن للأسف‬
‫غير صحيح‪ ،‬لقد بقيت الفلسفة‬            ‫نجده لا يطبقها‪ ،‬من هذه‬            ‫وإثبا ًتا‪ ،‬لكن ربما من ينظر‬
 ‫بعد الغزالي‪ ،‬بل إن نقده قوبل‬        ‫الوصايا عدم التسارع إلى‬             ‫فيها يستحسنها‪ ،‬ويراها‬
 ‫بنقد مضاد‪ ،‬وأشهر نقد وجه‬         ‫التكفير لمن يخالفنا في المذهب‪،‬‬
                                  ‫ويذكر أن ذلك الأمر قد ذكره‬        ‫واضحة‪ ،‬فيظن أن ما نقل عنهم‬
     ‫إليه هو نقد ابن رشد في‬       ‫في كتابه‪« :‬فيصل التفرقه بين‬         ‫من الكفريات مؤيد بالبراهين‬
  ‫كتابة «تهافت التهافت»‪ ،‬على‬                                                         ‫المنطقية‪)24(.‬‬
 ‫أن العمل النقدي الذي قام به‬            ‫الإسلام والزندقة»‪)27(.‬‬
   ‫الغزالي‪ ،‬لا يخرج عن نطاق‬         ‫كيف له بعد هذا التأكيد أن‬       ‫وهذا في رأيي يناقض ما ذكره‬
  ‫الفلسفة‪ ،‬فالعمل النقدي من‬                                            ‫في موضع آخر حيث يقول‪:‬‬
   ‫صميم الفلسفة‪ ،‬وإن الروح‬             ‫يكفر الفلاسفة المسلمين‬        ‫«قواعد العقائد‪ ،‬يشتمل عليها‬
  ‫النقدية هي جوهر التفلسف‪،‬‬         ‫(الفارابي‪ -‬ابن سينا)‪ ،‬وهو‬             ‫الكتاب والسنة‪ ،‬وما وراء‬
  ‫ومع أن نقد الغزالي كان نق ًدا‬     ‫نفسه يذكر في كتابه «إحياء‬          ‫ذلك من التفصيل‪ ،‬والمتنازع‬
 ‫سلبيًّا إلا أنه ساهم في بناءات‬    ‫علوم الدين» وفي فتاواه عدم‬         ‫فيه‪ ،‬يعرف الحق فيه بالوزن‬
 ‫فلسفية ومواقف جديدة‪ ،‬كان‬           ‫جواز لعن يزيد بن معاوية‬
‫لها تأثيرها الواضح في تحطيم‬         ‫باعتباره مسل ًما‪ ،‬أليسوا هم‬      ‫بـ»القسطاس المستقيم» وهى‬
                                                                          ‫الموازين التي ذكرها الله‬
     ‫الهالة التي رسمت حول‬                     ‫أي ًضا مسلمين؟!‬
‫الفلاسفة المشائيين‪ ،‬هذا فض ًل‬    ‫ومن وصاياه أي ًضا أن العاقل‬          ‫تعالي في كتابه‪ ،‬وهي خمسة‪،‬‬
‫عن تأثير هذا النقد على مجري‬       ‫يعرف الحق ثم ينظر في نفس‬           ‫ذكرتها (أي الغزالي) في كتاب‬
                                 ‫القول‪ ،‬فإن كان ح ًّقا قبله سواء‬
     ‫التيار العقلي في الإسلام‪.‬‬    ‫كان قائله مبط ًل‪ ،‬أو مح ًّقا‪ ،‬بل‬       ‫«القسطاس المستقيم»‪)25(.‬‬
                                                                             ‫وإذا رجعنا إلى كتاب‬

                                                                       ‫«القسطاس المستقيم» نجده‬
                                                                       ‫يذكر هذه الموازين الخمسة‬

                                                                            ‫مؤك ًدا أنها مستخرجة‬
                                                                          ‫من القرآن الكريم‪ ،‬ومن‬
                                                                           ‫ثم لا يخالفه فيها أحد‪،‬‬

                                                                            ‫يقول‪« :‬فأما الموازين‪،‬‬
                                                                             ‫فأنا استخرجتها من‬
                                                                              ‫القرآن الكريم‪ ،‬وما‬
                                                                             ‫عندي أني سبقت إلى‬
                                                                            ‫استخراجها‪ ،‬ولها عند‬
                                                                              ‫مستخرجيها أسماء‬
                                                                            ‫أخر سوى ما ذكرته‪،‬‬
                                                                              ‫وعند الأمم السابقة‬
                                                                            ‫على بعثة محمد (ص)‬
                                                                           ‫وعيسي (عليه السلام)‬
   163   164   165   166   167   168   169   170   171   172   173