Page 169 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 169

‫‪167‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

 ‫في تفسير الوحي وبه رد على‬         ‫في كل واقعة إلى بلد الإمام‪،‬‬    ‫نقده للباطنية‪( :‬أهل‬
                   ‫الباطنية‪.‬‬     ‫وإلى أن يقطع المسافة ويرجع‬            ‫التعليم)‬

 ‫لم يجد الغزالي في رحلته حتى‬         ‫فيكون المستفتي قد مات‪،‬‬        ‫قدم الغزالي نق ًدا مستفي ًضا‬
‫الآن مبتغاه من اليقين وانتابته‬     ‫وفات الانتفاع بالرجوع‪)31(.‬‬      ‫لنظرية الباطنية في التعليم‪،‬‬
                                                                    ‫بل وأفرد كتبًا لذلك منها‪:‬‬
     ‫الحيرة والقلق‪ ،‬ومحاسبة‬         ‫دعوة الغزالي للاجتهاد في‬        ‫كتاب «المستظهري في الرد‬
     ‫النفس‪ ،‬واستبطان الذات‪،‬‬     ‫غياب النص‪ ،‬للوقائع المستجده‪،‬‬      ‫على الباطنية»‪ ،‬وكتاب «حجة‬
  ‫والزهد في الحياة وزخارفها‪،‬‬    ‫يمكن أن تكون دعوة لتأسيس‬
     ‫واتجه إلى التصوف‪ ،‬فهو‬                                           ‫البيان»‪ ،‬وكتاب «قواصم‬
                                   ‫«فقه الواقع»‪ ،‬غير أنه يؤكد‬        ‫الباطنية»‪ ،‬وكتاب «الدرج‬
               ‫ملاذه الأخير‪.‬‬     ‫على أن هذا الاجتهاد يكون في‬       ‫المرقوم بالجداول»‪ ،‬وكتاب‬
                                                                 ‫«القسطاس المستقيم»‪ ،‬وكتاب‬
  ‫موقفه من التصوف‬                  ‫الفروع‪ ،‬وليس في الأصول‬             ‫«المنقذ من الضلال»‪)29(.‬‬
                                ‫المحددة بالكتاب والسنة‪ .‬وهذه‬      ‫وقد ع رض الغزالي لمنهجهم‬
‫رأى الغزالي أن علوم الصوفية‬                                         ‫عر ًضا موضوعيًّا‪ ،‬محاي ًدا‪،‬‬
   ‫وطريقتهم لا تحصل بالعلم‬        ‫نتيجة يمكن أن تكون مفيدة‬       ‫نزي ًها‪ ،‬لامه عليه بعض علماء‬
     ‫فقط‪ ،‬بل لا بد من العمل‪،‬‬      ‫لنا في حياتنا المعاصرة‪ ،‬وفي‬    ‫عصره‪ ،‬لكن ما قام به الغزالي‬
 ‫وسلوك طريقهم‪ ،‬وهم أرباب‬          ‫الدعوات التي تصدح بتجديد‬       ‫يعد قاعدة رئيسية من قواعد‬
                                                                  ‫النقد العلمي الرصين‪ ،‬يقول‬
‫الأحوال لا أصحاب الأقوال‪)32(.‬‬                ‫الخطاب الديني‪.‬‬     ‫في ذلك‪« :‬والمقصود أني قررت‬
‫سلك الغزالي طريقتهم‪ ،‬واجتهد‬      ‫لكن لدي ملاحظة هنا‪ ،‬الغزالي‬      ‫شبهتهم إلى أقصى الإمكان‪،‬‬
                                                                     ‫ثم أظهرت فسادها بغاية‬
     ‫في وضع قواعد التصوف‬           ‫رفض التقليد‪ ،‬كمنهج لأهل‬
       ‫السني كاملة‪ ،‬بد ًءا من‪:‬‬       ‫التعليم‪ ،‬مؤك ًدا على جانب‬                 ‫البرهان»‪)30(.‬‬
                                                                    ‫والغزالي نقد نظرية التعلم‬
  ‫الطريق‪ ،‬والفناء‪ ،‬والكاشفة‪..‬‬      ‫الاجتهاد‪ ،‬وهذا إعلاء لقيمة‬       ‫من الإمام المعصوم‪ ،‬معليًا‬
   ‫محاو ًل أي ًضا نقد الصوفية‬   ‫العقل‪ ،‬لكن الغزالي عاد ورفض‬        ‫من شأن الاجتهاد‪ ،‬في غيبة‬

      ‫السابقين عليه‪ ،‬وخاصة‬         ‫العقل واستدلالاته في مجال‬          ‫النصوص قائ ًل‪« :‬نحكم‬
 ‫صوفية «الشطح»‪ ،‬وما يترتب‬           ‫الفلسفة! وهذا يضفي على‬          ‫بالنص عند وجود النص‪،‬‬
‫على قولهم بـ»الفناء» من اتحاد‬                                      ‫وبالاجتهاد عند عدمه»‪ ،‬بل‬
  ‫أو حلول أو وحدة وجود(‪،)33‬‬     ‫أقواله شيئًا من عدم الانسجام‬    ‫يؤكد على أن دعاتهم لا يمكنهم‬
 ‫محاو ًل أن ينقي التصوف مما‬                         ‫الفكري‪.‬‬       ‫الاستغناء عن الاجتهاد‪ ،‬ذلك‬
                                                                    ‫لأنهم إذا كانوا في أقاصي‬
          ‫شابه من مأخذ‪)34(.‬‬           ‫والغزالي لكي يعالج هذه‬          ‫البلاد بعيدين عن الإمام‬
   ‫ولكن مما يستوقف المرء أن‬            ‫المسألة رأي الجمع بين‬
   ‫الغزالي رفض ذم الصوفية‬           ‫التسليم بما ورد في النص‬            ‫المعصوم‪ ،‬مصدر العلم‬
 ‫للعقل(‪ ،)35‬كما أنه أعطى للعقل‬       ‫المؤسس للعقيدة (القرآن‬     ‫والتعليم‪ ،‬لا يمكنهم أن يحكموا‬
                                     ‫الكريم)‪ ،‬والسنة المطهرة‪،‬‬   ‫بالنص‪ ،‬فالنصوص متناهية لا‬
     ‫دور القاضي في التجارب‬         ‫والعقل وفهمه واستدلالاته‬     ‫تستوعب الوقائع غير المتناهية‪،‬‬
    ‫الصوفية‪ ،‬لأنه يري أنه لا‬    ‫المستخرجه من هذه النصوص‪،‬‬
      ‫يجوز بحال من الأحوال‬         ‫أي الجمع بين النقل والعقل‬       ‫كما أنهم لا يمكنهم الرجوع‬
   ‫أن تتناقض مع العقل‪ ،‬فهل‬      ‫على طريقة الأشعرية السابقين‬
   ‫من سبيل لتحكيم العقل في‬         ‫عليه‪ ،‬وإن كان «ابن خلدون‬
‫تجارب الصوفية‪ ،‬ومكاشفاتهم‬        ‫يدخله ضمن زمرة المتأخرين‪،‬‬
  ‫ومطارحاتهم أليست المعرفة‬        ‫والتي يطلق على طريقتهم في‬
                                    ‫مقدمة «طريقة المتأخرين»‪،‬‬
                                      ‫يضاف إلى ذلك اهتمامه‬
                                   ‫بالمنطق اهتما ًما جعله يدخل‬
   164   165   166   167   168   169   170   171   172   173   174