Page 167 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 167

‫أدرك الغزالي أن الوصول‬                                         ‫فرانسيس بيكون‬
  ‫إلى هذا العلم اليقيني‪ ،‬لا‬
‫يتم إلا بفحص علوم العصر‪،‬‬                                                          ‫أشك فيه»‪)20(.‬‬
 ‫وتحليلها‪ ،‬ونقدها‪ ،‬وتمييز‬                                                ‫وينتهي الغزالي في نقده‬
 ‫الحق فيها عن الباطل‪ ،‬أي‬                                               ‫للفلاسفة أنهم ‪-‬على كثرة‬
  ‫لا سبيل إلى الوصول إليه‬                                              ‫أصنافهم‪ -‬يلزمهم وصمة‬
 ‫إلا بنقد هذه العلوم‪ ،‬نق ًدا‬                                         ‫الكفر والإلحاد وإن كان بين‬
                                                                    ‫القدماء منهم والأقدمين‪ ،‬وبين‬
             ‫داخل ًّيا‪ ،‬وخارج ًّيا‬                                 ‫الأواخر منهم والأوائل‪ ،‬تفاوت‬
                                                                        ‫عظيم في البعد عن الحق‪،‬‬
   ‫البعض‪ ،‬والخطأ في البعض‬        ‫يقول‪« :‬إن العقل كاف لإثبات‬
                  ‫الآخر‪)23(.‬‬         ‫ذات الله‪ ،‬والنبوة‪ ،‬واليوم‬                  ‫والقرب منه‪)21(.‬‬
                                                                        ‫إن مما يثير الدهشة‪ ،‬تلك‬
 ‫يقيم الغزالي علوم الفلاسفة‪،‬‬       ‫الآخر‪ ،‬مؤك ًدا أنه أثناء بحثه‬    ‫الحرب التي شنها الغزالي على‬
  ‫على النحو التالي‪ ،‬فبينما قبل‬    ‫في العلوم الشرعية والعقلية‪،‬‬        ‫الفلسفة في الوقت الذي كان‪،‬‬
                                  ‫قد وقع على أدلة لا تقع تحت‬        ‫وما يزال‪ .‬يثق بالعقل‪ ،‬ويشهد‬
      ‫الرياضيات والطبيعيات‬      ‫الحصر»(‪ ،)22‬وهكذا نجد قولين‬           ‫بثقته بالعقل عرضه لمذاهب‬
 ‫بتحفظات‪ ،‬أما الإلهيات‪ ،‬فهي‬        ‫متناقضين في مؤلف واحد‪،‬‬             ‫الفلاسفة في كتابه «مقاصد‬
  ‫تشمل أغاليطهم وكفرياتهم‪.‬‬                                           ‫الفلاسفة» وفي ردوده عليهم‬
‫أما السياسيات‪ :‬فهي في نظره‬           ‫فكما يقال يربط في محل‪،‬‬           ‫في كتابه «تهافت الفلاسفة»‬
 ‫مأخوذة من الكتب المنزلة على‬                  ‫ويحل في آخر‪.‬‬            ‫حيث حكم في نقده لهم بأن‬
  ‫الأنبياء‪ ،‬ومن الحكم المأثورة‬                                         ‫مسالكهم غير برهانية ولا‬
 ‫عن سلف الأنبياء‪ ،‬وهذا النقد‬       ‫صنف الغزالي الفلاسفة إلى‬         ‫يقينية‪ ،‬وأن العقل وحده ليس‬
  ‫‪-‬ربما في رأي‪ -‬لا يرقي إلى‬                ‫ثلاثة أصناف هم‪:‬‬              ‫كافيًا في تحقيق اليقين في‬
 ‫مرتبة اليقين‪ ،‬فهو بحاجة إلى‬                                           ‫المسائل المتعلقة بالإلهيات‪،‬‬
                                     ‫الدهريون‪ ،‬والطبيعيون‪،‬‬            ‫في حين أنه في موضع آخر‬
   ‫إثبات ‪-‬إطلاع قدمائهم من‬       ‫والإلهيون‪ ،‬ووصف الدهريين‬            ‫في «المنقذ من الضلال» أيضأ‬
  ‫اليونان‪ -‬على الكتب المنزلة‪،‬‬
    ‫وكذا سماعهم من الأنبياء‬        ‫والطبيعيين‪ .‬بالزندقة‪ ،‬بينما‬
 ‫السابقين الذين كانت بعثتهم‬     ‫اختلف مع الإلهيين في عشرين‬
   ‫لأممهم فقط‪ ،‬ولم يبعث إلا‬
‫الرسول عليه الصلاة والسلام‬        ‫مسألة أظهر فيها تناقضهم‪،‬‬
                                  ‫ومخالفتهم للحق‪ ،‬لكنه خص‬
            ‫إلى الناس كافة‪.‬‬     ‫من هذه المسائل ثلا ًثا‪ ،‬ذكر أنها‬
 ‫أما الأخلاقيات‪ :‬فيري الغزالي‬   ‫مكفرة لهم من الناحية الدينية‪،‬‬
                                  ‫وهي‪ :‬قدم العالم‪ ،‬وانكار علم‬
   ‫أنها مأخوذة من التصوف‪،‬‬         ‫الله تعالى بالجزئيات‪ ،‬وإنكار‬
      ‫باعتباره نزعة إنسانية‪،‬‬       ‫حشر الأجساد‪ ،‬أما المسائل‬
                                  ‫الباقية فلا تؤدي إلى التكفير‪،‬‬
    ‫فأصحاب كل دين ونحله‪،‬‬
                                     ‫ويكتفي فيها بالتبديع في‬
   162   163   164   165   166   167   168   169   170   171   172