Page 137 - merit
P. 137

‫‪135‬‬                ‫تجديد الخطاب‬

‫خوسيه أنريكي رودو‬  ‫جابرييل جارثيا ماركيز‬  ‫اللواء إبراهيم شكيب‬                  ‫استراتيجيًّا على عدوهم المدجج‬
                                                                               ‫بالسلاح‪ ،‬وتمكن أربعون رج ًل‬
   ‫وبالتالي اعتبر الحرب فنًّا‪ ،‬وفي‬          ‫كما استمد بونابرت غذاء نبوغه‬     ‫أبحروا في قارب صغير ذات ليلة‬
  ‫الفن يحضر الخيال غزي ًرا‪ ،‬ولذا‬           ‫من نظريات مفكري القرن الثامن‬        ‫من أن يحرروا كوبا من قبضة‬
 ‫فإن إيجاز ما ورد في كتابه يبدو‬           ‫عشر‪ ،‬عسكريين كانوا أو مدنيين‪،‬‬      ‫الدكتاتور‪ ،‬واستطاع الفيتناميون‬
 ‫عم ًل مفي ًدا إلى أقصى حد ونحن‬                                                 ‫بسلاح بسيط‪ ،‬وزاد قليل‪ ،‬من‬
‫بصدد الحديث عن توظيف الخيال‬                  ‫أضف إلى ذلك أن المؤلف القيم‬
  ‫في الحرب‪ ،‬لأننا سنكتشف معه‬                    ‫الذي وضعه كلوزفيتس عن‬             ‫أن يهزموا الولايات المتحدة‬
   ‫كيف تمكن رجل عاش في هذه‬                                                                        ‫الأمريكية‪.‬‬
                                             ‫الحرب‪ ،‬وهو أفضل ما كتب في‬
    ‫القرون البعيدة أن يكتب ن ًّصا‬             ‫باب الفنون الحربية‪ ،‬لا يعتبر‬   ‫ولو أن الداخلين إلى هذه المعارك‬
    ‫له كل هذه الطاقة من الخيال‪،‬‬            ‫ثمرة دراسة لفنون نابليون فقط‪،‬‬    ‫جلسوا ليحسبوا حسابات الواقع‪،‬‬
  ‫بما جعله يتجاوز زمنه وحدود‬              ‫بل إنه إلى ذلك دراسة لسلسلة من‬     ‫وأعطوها وحدها قرارهم‪ ،‬لهزموا‬
 ‫أمته‪ ،‬ويسيح في مشارق الأرض‬                 ‫المذاهب المستوحاة من أفكار من‬
‫ومغاربها ليستفيد منه المحاربون‬                                                  ‫هزائم منكرة وفي زمن يسير‪،‬‬
     ‫المختلفون تما ًما في كل شيء‬                ‫هم أمثال كانط وهيجل»(‪.)3‬‬         ‫لكنهم تجاوزوا واقع ينبئهم‪،‬‬
                                               ‫ولعل المثل الرائع الذي يمكن‬   ‫للوهلة الأولى‪ ،‬بعدم تكافؤ قوتهم‬
                        ‫تقريبًا‪.‬‬                ‫أن نضربه في هذا المقام هو‬       ‫في وجه قوة عدوهم‪ ،‬وأطلقوا‬
  ‫و»تسي» ابتدا ًء هو سليل عائلة‬                ‫المفكر الصيني «سون تسي»‬       ‫العنان لخيال جسور‪ ،‬مكنهم من‬
                                             ‫الذي عاش في القرنين الخامس‬
      ‫عسكرية وسبق لأجداده أن‬                    ‫والسادس قبل الميلاد إلا أن‬             ‫الانتصار أو الصمود‪.‬‬
      ‫سجلوا خبرتهم في المعارك‪،‬‬                ‫أفكاره وتصوراته عن الحرب‬       ‫ولهذا تحدث الخبراء والمؤرخون‬
     ‫وتركوها لمن أتوا بعدهم كي‬              ‫لا تزال صالحة للقراءة‪ ،‬وقادرة‬   ‫الحربيون عن «الفنون العسكرية»‪،‬‬
   ‫يستفيدوا منها‪ ،‬وقد ألف كتاب‬              ‫على إلهام الجنرالات في مشارق‬    ‫منطلقين من أن التاريخ العسكري‬
‫«فن الحرب»(‪ )4‬الذي هو من أقدم‬             ‫الأرض ومغاربها‪ ،‬لأنه كان يمتلك‬
‫وأشهر الكتب الحربية في الصين‪،‬‬                 ‫قدرة هائلة على إعمال الخيال‪،‬‬     ‫هو وقائع وأحداث متتابعة من‬
                                                                                ‫ممارسة فن الحرب‪ ،‬التي كان‬
                                                                               ‫لها دور كبير في تطور مجالات‬

                                                                                                     ‫أخرى‪.‬‬
                                                                                 ‫وهنا يقول فرنان شنيدر في‬
                                                                             ‫كتابه «تاريخ الفنون العسكرية»‪:‬‬

                                                                                  ‫«إن التاريخ العسكري‪ ،‬منذ‬
                                                                              ‫عصر أجدادنا سكان المغاور إلى‬
                                                                            ‫عصرنا الذري‪ ،‬قد ساهم مساهمة‬
                                                                              ‫فعالة في التطور المستمر للعلوم‬
                                                                            ‫البشرية‪ ،‬هذه العلوم التي ساهمت‬
                                                                            ‫أي ًضا‪ ،‬بنسب متفاوتة في تحسينه‬
                                                                             ‫وازدهاره‪ .‬إن فنون القادة الكبار‬

                                                                                  ‫قد تأثرت تأث ًرا كبي ًرا بعلوم‬
                                                                                 ‫معاصريهم وطرق تفكيرهم‪،‬‬
                                                                                 ‫فهؤلاء القادة يستفيدون من‬
                                                                              ‫أنهم نشأوا على أفكار رؤسائهم‬
                                                                               ‫السائدة في زمانهم‪ .‬فالإسكندر‬
                                                                            ‫اقتبس تكتيكه من الفكر الإغريقي‪،‬‬
   132   133   134   135   136   137   138   139   140   141   142