Page 168 - m
P. 168

‫العـدد ‪59‬‬                                                           ‫‪166‬‬

                                  ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬                                                        ‫د‪.‬سامية‬
                                                                                                     ‫سلام‬
 ‫جذبته أي ًضا أعمال المف ِّكرين‬    ‫متي بدأت النزعة الفلسفية‬       ‫طه حسين‪..‬‬
     ‫اليونانيين العظام‪ ،‬وعلى‬                                         ‫بين «توليد» سقراط و«شك» ديكارت‬
                                   ‫عند طه حسين؟ والتي هدف‬
   ‫رأسهم سقراط وأفلاطون‬           ‫من خلالها تقويض الكثير من‬
     ‫وأرسطو وغيرهم‪ ،‬ومن‬           ‫الثوابت الثقافية السائدة بنوع‬
     ‫ثم يرى أن سبيلنا ل َفهم‬
    ‫خصائص ومك ِونات هذه‬             ‫من النفور المنهجي والثورة‬
                                     ‫على الفكر التقليدي‪ ،‬حينما‬
‫النهضة هو دراسة الحضارة‬           ‫اهتم بالفلسفة‪ ،‬وع َّدها الحياة‬
‫اليونانية دراسة عميقة ناقدة‬
                                        ‫العقلية القوية‪ ،‬ووسيلة‬
             ‫تاريخيًّا وأدبيًّا‪.‬‬   ‫التصور للحقائق التي يحكم‬
 ‫وبناء على هذا التصور تتبع‬
  ‫طه حسين الحياة اليونانية‪،‬‬          ‫عليها بعقله لا بخياله‪ ،‬فقد‬
‫وأخضعها للفحص والتحليل‪،‬‬                 ‫كان الإيمان بالعقل هو‬
‫فرأي أنها خضعت للشعر في‬
  ‫أول أمرها‪ ،‬ثم خضعت بعد‬          ‫المحرك الأساسي لما قدمه من‬
  ‫ذلك للعقل‪ ،‬وكانت أخصب‬                     ‫صياغات فكرية(‪.)1‬‬
‫حياة عرفها الإنسان في العالم‬
                                   ‫وبدأت أي ًضا عندما انفتح طه‬
                  ‫القديم(‪.)3‬‬          ‫حسين على الغرب الثقافي‬
  ‫وقد أنتجت حالة تفاعله مع‬
   ‫الثقافات الغربية وانبهاره‬      ‫ورأي في الكثير من أساسيات‬
                                    ‫حياته المعرفية طري ًقا لأدب‬
     ‫ببلاد اليونان وفلسفتها‬               ‫جديد وفكر جديد(‪.)2‬‬
        ‫وفلاسفتها وحريتها‬              ‫لكن من هو الغرب الذي‬
                                       ‫يقصده طه حسين؟ هل‬
  ‫وزعمائها‪ ،‬حالة من التأمل‬          ‫هو الغرب الحديث فقط‪ ،‬أم‬
    ‫استغرق فيها طه حسين‬             ‫الأصول الأولى التي شكلت‬
     ‫طوي ًل‪ ،‬في تأمل الفلسفة‬       ‫الحضارة الغربية‪ ،‬الحضارة‬
       ‫بصفة عامة والفلسفة‬              ‫الإغريقية؟ لقد أشار إلى‬
     ‫اليونانية بصفة خاصة‪،‬‬           ‫أصول الغرب الحديث التي‬
                                       ‫وضعها اليونان‪ ،‬وأشاد‬
 ‫كيف نشأت؟ وكيف جاهدت‬
 ‫لتنتصر على الشعر والدين؟‬          ‫بابتكارهم للسياسة وفصلها‬
  ‫وكيف التمست تفسير هذا‬              ‫عن الغيب‪ ،‬فجعلوا مصدر‬
   ‫الكون في الأرض مرة وفي‬            ‫السلطة هو الناس في حين‬
                                      ‫أن الشرق لم يعرف ‪-‬في‬
      ‫السماء مرة أخرى؟ في‬           ‫تصوره‪ -‬سوى نظام حكم‬
   ‫الماء حينًا وفي الجو حينًا؟‬               ‫واحد استبدادي‪.‬‬
   ‫وكيف عدلت عن المادة إلى‬          ‫أبهرت االثقافة اليونانية طه‬
    ‫المعنى؟ وكيف تعمقت في‬              ‫حسين واللغة اليونانية‪،‬‬
                                       ‫والأدب اليوناني القديم‪،‬‬
      ‫بحثها المعنوي دون أن‬            ‫والفلسفة اليونانية‪ ،‬فآمن‬
 ‫تنتهي إلى شيء قيم؟ وكيف‬
 ‫كانت قبل وأثناء هذا البحث‬        ‫بالأثر الكبير والمهم للحضارة‬
                                      ‫اليونانية القديمة في قيام‬
    ‫والاضطراب مصد ًرا لهذا‬
  ‫التطور السياسي الذي أقر‬           ‫النهضة الأوروبية الحديثة‪.‬‬
   163   164   165   166   167   168   169   170   171   172   173