Page 169 - m
P. 169

‫الملف الثقـافي ‪1 6 7‬‬

‫من مفاخره في صور خيالية‪،‬‬          ‫خصائص ومك ِّونات النهضة‬         ‫النظام الديمقراطي في أثينا‬
     ‫فكانت الملاحم الشعرية‬        ‫‪-‬فيما يري طه حسين‪ -‬هو‬         ‫وغيرها من المدن اليونانية؟(‪)4‬‬
                                                                 ‫وقد قدم طه حسين الفلسفة‬
  ‫الكبرى على يد كبار شعراء‬           ‫دراسة الحضارة الغربية‬
     ‫اليونان‪ .‬ثم بدأ الإنسان‬        ‫وبخاصة اليونانية دراسة‬        ‫اليونانية وفلاسفة اليونان‬
                                  ‫عميقة‪ ،‬واستحضار النموذج‬            ‫باعتبارهم قادة الفكر(‪)5‬‬
  ‫يستشعر حاجته لأ ْن يدرك‬            ‫الغربي القديم والحديث‪،‬‬          ‫ورأى أن الأمة اليونانية‬
  ‫ويفسر ما يحدث حوله من‬              ‫كمنطلق للتطور والتقدم‪.‬‬
 ‫ظواهر وأحداث‪ ،‬فبذل جه ًدا‬        ‫فالحضارة اليونانية القديمة‬    ‫قضت قرو ًنا؛ لتستبدل العقل‬
   ‫عقليًّا منظ ًما‪ ،‬ينتقد فيه كل‬     ‫بمفكريها وفلاسفتها هي‬         ‫بالخيال‪ ،‬ورقي العقل كان‬
‫ثابت على ضوء العقل‪ ،‬فكانت‬
                                       ‫الرافد الأهم للحضارة‬     ‫مصبا ًحا لرقي آخر هو الرقي‬
                   ‫الفلسفة‪.‬‬           ‫الأوروبية الحديثة‪ ،‬التي‬   ‫السياسي‪ ،‬وهو ما نجده عند‬
      ‫تقوم نقطة الانطلاق في‬                                     ‫اليونان‪ ،‬ولا نجده في الشرق‬
  ‫فكر طه حسين ‪-‬إذن‪ -‬على‬                  ‫استفاد جميع البشر‬
      ‫منجزات العقل الليبرالي‬        ‫بمنجزاتها‪ ،‬ولكن الأمر لم‬      ‫وهو هذا التطور السياسي‬
  ‫الغربي وما فتح أمام الفكر‬       ‫يكن سه ًل‪ ،‬فالفكر الأوروبي‬      ‫الخصب‪ ،‬فقد عرف اليونان‬
  ‫الإنساني من آفاق المعرفة‪،‬‬        ‫مر بمراحل تطور مستمرة‬        ‫التعددية السياسية مما أوجد‬
    ‫بينما كان منطلق الطرف‬
‫المضاد يقوم علي مبدأ التراكم‬             ‫وطويلة عبر التاريخ‪،‬‬        ‫النظم السياسية المختلفة‬
   ‫التاريخي والتراثي‪ ،‬وكان‬           ‫فمن البداوة اليونانية إلى‬    ‫في المدن اليونانية من ملكية‬
   ‫العقل المتبني لهما يرى في‬          ‫ظهور الشعر كضرورة‬
 ‫كل من هذا التاريخ والتراث‬          ‫ليعبِر الإنسان عن عواطفه‬         ‫وجمهورية أرستقراطية‬
       ‫نظا ًما من الثوابت غير‬      ‫وأحاسيسه‪ ،‬ويحكي بع ًضا‬             ‫وديمقراطية معتدلة أو‬
   ‫محكوم بالتغير‪ ،‬فمثل هذا‬
   ‫الطرف ما يمكن أن ندعوه‬                                                          ‫متطرفة‪.‬‬
                                                                      ‫إن سبيلنا الوحيد ل َفهم‬
            ‫الأفق المنغلق(‪.)6‬‬
   ‫وبسبب إعجاب طه حسين‬            ‫لوحة أرسطو وأفلاطون في مدرسة أثينا لرفائيل‬

     ‫الشديد بالعقل اليوناني‪،‬‬
   ‫ونقده للعقل الشرقي عقد‬
‫عدة مقارنات بينهما‪ ،‬فرأى أن‬
 ‫العقل اليوناني يسلك في فهم‬
   ‫الطبيعة وتفسيرها المسلك‬
‫الفلسفي الخصب الذي نشأت‬
‫عنه فلسفة سقراط وأفلاطون‬
 ‫وأرسطو‪ ،‬ثم فلسفة ديكارت‬
‫وكانط وكونت وهيجل‪ ،‬بينما‬
    ‫يرى أن العقل الشرقي لم‬
 ‫يظهر شخصية فلسفية قوية‬
‫في فهم العالم وتفسيره‪ ،‬وإنما‬
   ‫خضع للكهان في عصوره‬
  ‫الأولى‪ ،‬وللديانات السماوية‬
   164   165   166   167   168   169   170   171   172   173   174