Page 171 - m
P. 171

‫الملف الثقـافي ‪1 6 9‬‬

    ‫وهذه الفرقة التي تحملت‬        ‫شديد التطور والتحرر(‪.)8‬‬       ‫رينيه ديكارت‬
‫مسئولية تأكيد الشك وتعميق‬          ‫ش َّكل سقراط جز ًءا مه ًّما‬
                                 ‫ورئي ًسا في فكر‪ ‬طه حسين‪،‬‬
       ‫معناه استغلوا ظروف‬         ‫وكان له الفضل في تكوين‬
 ‫المجتمع لتحقيق غايتين هما‪:‬‬          ‫عقليته‪ ،‬ودرس فلسفتة‬
‫الشهرة والسير وراءها مهما‬       ‫التي تبدأ بالبحث عن حقيقة‬
‫كانت الوسيلة التي يسلكونها‬           ‫الإنسان ومعنى حياته‪.‬‬
                                ‫ويتشابه حسين مع سقراط‬
     ‫لتحقيق تلك الغاية؛ ولذا‬     ‫في بحثه ومناقشته وسحقه‬
  ‫فإنك تجد أن السفسطائيين‬            ‫للأفكار القديمة‪ ،‬لتتولد‬
                                 ‫المعاني الجديدة من حواره‬
       ‫تناولوا الحياة العقلية‬      ‫مع الآخرين‪ ،‬وهو المنهج‬
‫بالجدل والنقاش‪ ،‬والفلسفات‬         ‫المعروف بالتهكم والتوليد‬
 ‫القديمة بتفنيدها الواحدة تلو‬
‫الأخرى‪ .‬وكانوا في سبيل ذلك‬                    ‫عند سقراط‪.‬‬
                                   ‫وهذه الفلسفة السقراطية‬
  ‫يركزون على البيان وصقل‬          ‫التي أعجب بها طه حسين‬
      ‫الألفاظ‪ ،‬في نفس الوقت‬
                                     ‫كثي ًرا هي التي أطاحت‬
   ‫الذي كانوا يحرصون فيه‬         ‫بفلسفة السفسطائيين رغم‬
   ‫على نفي أن يكون للأشياء‬     ‫ما كان لها من تأثير وسلطان‬
    ‫مهايا أو حقائق ذاتية‪ .‬أما‬  ‫عظيم على العقول اليونانية(‪.)9‬‬
 ‫القصد الثاني للسفسطائيين‬         ‫تمني طه حسين أن يطيح‬
 ‫فكان الكسب المادي وتحقيق‬
                                   ‫بأفكار الجمود والتسليم‬
             ‫الانتفاع المادي‪.‬‬         ‫المطلق عند التقليديين‪،‬‬
 ‫وكانت فلسفة السفسطائيين‬               ‫كما فعل سقراط مع‬

      ‫‪-‬كما رآها طه حسين–‬         ‫السوفسطائيين‪ ،‬ففي عصر‬
       ‫صورة صادقة للحياة‬            ‫سقراط عم الشك عندما‬
  ‫الاجتماعية تنكر كل شيء‪،‬‬
      ‫ولا تعترف إلا بالمنفعة‬   ‫سيطر السفسطائيون على كل‬
   ‫الفردية التي كان زعماؤها‬       ‫شيء وامتد هذا إلى الحياة‬
    ‫يطوفون الأرض كما كان‬          ‫الاجتماعية بأثرها‪ ،‬بحيث‬
       ‫يفعل الشعراء القدماء‬      ‫قد أصبح الشك هو الصفة‬
     ‫يحملون الشك والإنكار‪.‬‬         ‫السائدة التي تسيطر على‬
       ‫وفارق كبير بين شك‬                ‫الأفراد والجماعات‪.‬‬
       ‫السفسطائيين والشك‬
      ‫الديكارتي المتأثر به طه‬   ‫والذي يلفت الأنظار في زمن‬
‫حسين‪ ،‬فشك السوفسطائيين‬         ‫السوفسطائيين أن المسألة لم‬
    ‫شك يخدم المنفعة الفردية‬
     ‫ويعلم الفرد كيف يلبس‬        ‫تقتصر على حدود الشك في‬
       ‫الحق بالباطل‪ ،‬وكيف‬         ‫كل شيء‪ ،‬ولكن هذا الشك‬
   ‫يتلاعب بعقول القضاة في‬
  ‫المحكمة‪ ،‬وبعقول الجماعات‬         ‫قد وجد لنفسه فرقة من‬
 ‫في المجالس السياسية العليا‪،‬‬       ‫المتخصصين للدفاع عنه‪،‬‬
                                  ‫وتأكيد معناه في النفوس‪.‬‬
   166   167   168   169   170   171   172   173   174   175   176