Page 173 - m
P. 173

‫الملف الثقـافي ‪1 7 1‬‬

 ‫هذه التسمية تصف طريقة‬            ‫على المرآة‪ .‬فعمل الفيلسوف‬        ‫به إلى الحوار‪ ،‬تلك الطريقة‬
 ‫سقراط الفلسفية في البحث‬        ‫ليس هو تعليم الإنسان ما لم‬        ‫الفلسفية المولدة للأفكار(‪.)16‬‬
                                ‫يعلم‪ ،‬وإنما هو إعداد الإنسان‬      ‫ولم يكن سقراط ‪-‬فيما يرى‬
           ‫وص ًفا دقي ًقا(‪.)17‬‬
 ‫وكانت فلسفة سقراط فيها‬           ‫لكشف الحقائق‪ ،‬أو قل‪ :‬إن‬            ‫طه حسين‪ -‬يضع أمامه‬
                                ‫عمل الفيلسوف إنما هو إزالة‬          ‫مسألة بعينها ثم يأخذ في‬
     ‫انصراف عن السياسة‪،‬‬         ‫هذا الصدأ عن المرآة‪ ،‬حتى إذا‬     ‫التحليل والنقد والتعليم حتى‬
      ‫وكانت فيها من ناحية‬       ‫أت َّم صقلها وتصفية جوهرها‬           ‫ينتهي إلى ما يريد‪ ،‬وإنما‬
‫أخرى عناية بالحياة العقلية‪،‬‬      ‫تجلت فيها الحقائق واضحة‬         ‫كان يتحدث‪ ،‬فيسأل ويناقش‬
       ‫وحرص على تقويتها‬                                          ‫جواب المسؤول‪ ،‬ثم يسأل‪ ،‬ثم‬
 ‫وترقيتها‪ .‬أما أفلاطون فقد‬        ‫بيِّنة‪ .‬ومن هنا كان سقراط‬        ‫يتعرض للسؤال‪ ،‬ثم يجيب‪،‬‬
 ‫شهد في شبابه ‪-‬كما يروي‬         ‫يعلن أنه لا يعلِّم الناس شيئًا؛‬   ‫ثم يوقع محاوره في الخطأ‪،‬‬
   ‫طه حسين‪ -‬ضعف الأمة‬                                              ‫ليثبت تناقضه‪ ،‬ولا يزال في‬
 ‫اليونانية عامة ومدينة أثينا‬         ‫لأنه لا يعلم شيئًا‪ ،‬وإنما‬       ‫حوا ٍر وفي أخذ ورد حتى‬
    ‫خاصة‪ ،‬وتدخل الأجنبي‬         ‫يبحث معهم عن الحق فيجده‬               ‫يستخلص النتيجة كأنها‬
      ‫في أمر هذه الأمة التي‬                                        ‫إحدى القضايا الأولية التي‬
 ‫كانت شديدة البأس واسعة‬             ‫حينًا ويخطئه حينًا‪ ،‬ومن‬       ‫لا تحتمل الشك ولا الجدال‪.‬‬
   ‫السلطان؛ فأصبحت أداة‬            ‫هنا سميت طريقة سقراط‬              ‫ومصدر هذه الطريقة أن‬
   ‫تصطنعها الأمة الفارسية‬          ‫طريقة «التوليد»؛ لأنه كان‬      ‫سقراط كان يعتقد أن النفس‬
  ‫لإرضاء مطامعها المختلفة‬        ‫يعتقد أن النفس مشتملة على‬           ‫بطبيعتها قادرة على العلم‬
   ‫في آسيا وأوروبا‪ .‬وشهد‬        ‫الحقائق كما تشتمل الأم على‬          ‫بالأشياء‪ ،‬وعلى استكشاف‬
  ‫في شيخوخته انحلال هذه‬          ‫الجنين‪ ،‬وأن عمل الفيلسوف‬        ‫الحقائق‪ ،‬ولكن ظروف الحياة‬
‫الأمة اليونانية وموت الروح‬         ‫اكتشاف هذه الحقائق من‬         ‫العملية وأعراضها‪ ،‬وما ورث‬
                                ‫النفس‪ ،‬كما يستخرج الجنين‬            ‫الناس من عادات وأخلاق‪،‬‬
             ‫الوطنية فيها‪.‬‬        ‫من الأم‪ .‬وسوا ٌء أكانت هذه‬     ‫ومن أساطير وسخافات‪ ،‬كل‬
    ‫وكانت فلسفة أفلاطون‬         ‫التسمية صحيحة أم لم تكن‪،‬‬         ‫ذلك قد تراكم على هذه النفس‬
‫ممثلة للعصر الذي عاش فيه‬            ‫وسواء أكانت بينها وبين‬         ‫الصافية كما يتراكم الصدأ‬
 ‫تمثي ًل صحي ًحا‪ ،‬فكانت من‬        ‫صناعة سقراط صلة أم لم‬
 ‫جهة كفلسفة سقراط ترمي‬             ‫تكن‪ ،‬فليس من شك في أن‬
    ‫إلى تقوية‬
‫الحياة العقلية‬
 ‫ومحاولة أن‬
‫تكون وحدها‬
  ‫غاية الرجل‬
     ‫الحكيم‪،‬‬
   ‫ومن جهة‬
 ‫أخرى كانت‬
 ‫تمثل السخط‬
   ‫على الحياة‬
   ‫السياسية‬
   ‫الحاضرة‪،‬‬
    ‫وتتخذها‬
   168   169   170   171   172   173   174   175   176   177   178