Page 176 - m
P. 176

‫العـدد ‪59‬‬                               ‫‪174‬‬

                               ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬                       ‫الإنساني والأخذ بنظام واحد‬
                                                                    ‫في التصور والتفكير‪ .‬وقد‬
‫الفلاسفة ما يخالف الإسلام‬          ‫وييسر الوزن ويبعد عن‬             ‫اهتم العرب بصفة خاصة‬
    ‫أشد الخلاف‪ ،‬لم يمنعهم‬          ‫أصله الموروث ويدنو من‬             ‫بترجمة الفلسفة والعلوم‬
                                 ‫النثر دن ًّوا شدي ًدا‪ ،‬ومن هنا‬        ‫اليونانية؛ لأن ذلك كان‬
‫ذلك من ترجمته والرد عليه‪،‬‬        ‫نشأ ما يسميه الناس شع ًرا‬            ‫يتجاوب مع احتياجاتهم‬
 ‫وقد و ِجد بينهم في العصور‬       ‫منثو ًرا‪ ،‬وما يسمونه شع ًرا‬
                                 ‫ح ًّرا‪ .‬كل هذا جاء من تغلب‬        ‫الكلامية من ناحية والنقدية‬
   ‫الأولى من خلب لبَّه بع ُض‬    ‫النثر على الشعر ومن طموح‬           ‫من ناحية أخري(‪)28‬؛ ولذلك‬
     ‫الآراء الفلسفية المخالفة‬       ‫الناس إلى الحرية الحرة‬        ‫فمن غير الممكن بحق دراسة‬
                                   ‫التي لا تحب القيود حتى‬           ‫الفلسفة الإسلامية دراسة‬
 ‫للدين‪ ،‬فألف في ذلك الكتب‪،‬‬        ‫في الاشياء التي ألفت فيها‬
‫وكتب فيه المقالات‪ ،‬ونظم فيه‬                                           ‫جادة بدون الرجوع إلى‬
                                                ‫القيود(‪.)29‬‬      ‫طابعها اليوناني كما نجده في‬
   ‫الشعر‪ ،‬يجا ِهر بذلك حين‬      ‫فقد انتفع العرب من ترجمة‬
‫تتاح له المجاه َرة‪ ،‬ويستخفي‬      ‫الفلسفة‪ ،‬وغيَّروا بترجمتها‬               ‫أفلاطون وأرسطو‪.‬‬
‫بذلك حين لا يكون له بد من‬      ‫طبيعة الحياة العربية‪ ،‬وأقاموا‬           ‫وهذا التقاطع التاريخي‬
 ‫الاستخفاء‪ .‬إنما ترك العرب‬                                             ‫الوسيطي بين الفلسفة‬
                                     ‫بفضلها هذه الحضارة‬               ‫اليونانية والفكر العربي‬
      ‫ترجمة الآداب القديمة؛‬      ‫الإسلامية الرائعة التي كان‬        ‫الإسلامي قد أنتج الفلسفة‬
      ‫لأنهم لم يعرفوها حق‬         ‫لها أثرها الخطير في إحياء‬      ‫الإسلامية الوسيطة‪( ،‬فالعرب‬
 ‫معرفتها‪ ،‬وترجموا الفلسفة‪،‬‬      ‫أوروبا في القرون الوسطى‪،‬‬            ‫كغيرهم من الأمم القديمة‬
    ‫ثم جعلوها فلسفة عربية‬      ‫قبل أن يتاح لها العلم المباشر‬         ‫كانت حياتها العقلية كلها‬
                                                                     ‫شع ًرا أول الأمر‪ ،‬ثم نشأ‬
                 ‫أصيلة(‪.)32‬‬         ‫بفلسفة الأولين وآدابهم‬        ‫فيها النثر فغلب الشعر شيئًا‬
 ‫ترجمت الفلسفة إلى العربية‬       ‫وفنونهم على اختلافها؟(‪)30‬‬        ‫فشيئًا على فنون القول كلها‪،‬‬
                                ‫لقد جاءت الفلسفة اليونانية‬         ‫وحصر الشعر في فن واحد‬
    ‫كما ترجمها الأولون من‬                                              ‫من الفنون وهو الغناء‪،‬‬
    ‫العرب فغيروا بترجمتها‬             ‫التي ترجمت في عصر‬               ‫ثم استأثر النثر بالحياة‬
                                  ‫العباسيين فأقصت بعض‬               ‫العقلية ولم يبق للشعر إلا‬
      ‫طبيعة الحياة العربية‪،‬‬         ‫الأذهان عن ذلك الشعب‬           ‫اللون الغنائي‪ ،‬حتى اضطر‬
        ‫وأقاموا بفضلها هذه‬      ‫العربي الذي كان يعيش قبل‬           ‫الشعر في عصوره الحديثة‬
 ‫الحضارة الإسلامية الرائعة‬     ‫الإسلام في جهل مطبق‪ ،‬فكان‬           ‫أن يتحرر أحيا ًنا من قيوده‬
  ‫التي كان لها أثرها الخطير‬      ‫المأمون (ت‪218‬ه) وهو ابن‬              ‫التقليدية‪ ،‬فيطرح القافية‬
  ‫في إحياء أوروبا في القرون‬    ‫جارية فارسية ينصر الفرس‬
      ‫الوسطى‪ ،‬قبل أن يتاح‬
    ‫لها العلم المباشر بفلسفة‬                     ‫جه ًرا(‪.)31‬‬
   ‫الأولين وآدابهم وفنونهم‬        ‫وترجم العرب من فلسفة‬
 ‫على اختلافها؟(‪ )33‬مما أثري‬
    ‫الحياة الثقافية والفكرية‬
   171   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181