Page 180 - m
P. 180
العـدد 59 178
نوفمبر ٢٠٢3 الاجتماعي الذي حدثنا عنه
الزيات منذ قليل وأن رغبة طه
«صالح» يقول« :وأصبح المشاهد في العمل وعزله عن
الصبي ،فغدا على كتَّابه كما الواقع بحيث يستغرق في العمل حسين في توصيل الرسالة
تع َّود أن يفعل خمسة أيام في بنحو سلبي يمنعه من التفكير الاجتماعية كانت أقوى من
الأسبوع .وقد يخطر للقارئ والنقد .ويعتبر الكاتب المسرحي رغبته في توصيل الرسالة الفنية
أن يسألني عن هذا الصبي :ما
اسمه؟ وما موطنه؟ وما بيئته؟ الألماني برتولد بريخت من أو الاستثارة الجمالية.
وما أسرته؟ ومن عسى أن أشهر الفنانين الذين تعاملوا وعلى ذلك سينقسم البحث إلى
يكون؟ ولكني أجيب القارئ مع تقنية كسر الإيهام« .فهو
إن خطرت له هذه الأسئلة كما في نظرية مسرحه الملحمي لا مبحثين:
كان الكاتب الفرنسي «ديديرو» يشرك المشاهد في الأحاسيس، -1البعد الشكلي (تقنية كسر
يجيب ق َّراءه حين يخيل إليه أنهم
يسألونه أو يهمون أن يسألوه بل يجعله مشاه ًدا ناق ًدا لا الإيهام)
عن بعض الأمور في قصصه، ينسى نفسه مع الممثلين أو مع -2البعد المضموني (ماهية
أجيب القارئ بأنه يسرف على المسرحية .ويجعله ناق ًما مفك ًرا
نفسه وعليَّ بهذه الأسئلة التي فيما يراه ،عاق ًل في غير تأجج القهر وتجلياته)
قد يكون الرد عليها مفي ًدا لتكون
القصة منسقة ،حسنة البناء، أو اشتعال ..بار ًدا إن صح أو ًل :البعد الشكلي
ملتئمة الأجزاء ،يأخذ بعضها هذا التعبير .وبريخت يستبدل (تقنية كسر الإيهام)
برقاب بعض كما كان النقاد
القدماء يقولون .ولكني لا أحاول المعايشة المستكينة القاصرة تقنية كسر الإيهام هي تقنية
أن أضع قصة فأخضعها لما عند المتفرج بنشاط فكري راق مسرحية بالأساس ،وقد تم
ينبغي أن تخضع له القصة من وثاقب بد ًل من عدم المقاومة. استخدامها في فنون أخرى مثل
أصول الفن كما رسمها كبار وهو لهذا ينبه على ممثليه بقطع السينما والفنون التشكيلية،
النقاد»(.)6 تسلسل الأداء التمثيلي ،وفي وهي تعني سقوط الحائط
و ُيلاحظ أن طه حسين هنا محطات الأدوار ،وبين لوحات الرابع الذي يفترض وجوده
يطرح الأسئلة بد ًل من القراء، دراماته ،أثناء مقاطع الراوي أو بين الممثلين والمتفرجين بهدف
وفي ذات الوقت ،يرفض الإجابة المغني ،وأغاني دراماته المعروفة الحيلولة دون اندماج المشاهد
عليها .إنه نوع من المنولوج
الداخلي الذي يتخذ شكل الحوار تخدم هذا الغرض الإغرابي في العمل وإشراكه في نقد
الخارجي .فهو يجلب القارئ داخل مخططه الملحمي الذي القضية التي يطرحها المؤلف.
للوعي ثم يعود فيقصيه في وتعتمد تقنية كسر الإيهام على
حركة بندولية لا ُيفهم منها إلا اشتهر به مسرحه»(.)5 «الإغراب» و»هو نوع من الفن
أنه يحاول أن يستثير القارئ وإذا أردنا أن نبحث عن هذه يتخذه الفنان كاتبًا أو شاع ًرا
ويحفزه على التفكير من ناحية، التقنية في كتاب طه حسين أو ممث ًل أو مخر ًجا أو تشكيليًّا
كما أنه يريد أن يلفت انتباهه «المعذبون في الأرض» فسنجد يتعمد فيه تعطيل وصول شيء
إلى أهمية القضية التي يطرحها، أنها تظهر بطريقتين :عن طريق من فنه إلى الجماهير ،أو ليثيرهم
وكيف أنها تتجاوز مجرد التوجه للقارئ ،وعن طريق
الالتزام بقواعد نقد القصص كما ليصل من الإثارة إلى عدم
التدخل في الأحداث بآراء التوازن ،الذي ينبغي أن يحدث
أرساها كبار النقاد. خاصة .وقد تحقق ذلك على في العمل الفني وبين شبيهه في
النحو التالي: الحياه»(.)4
-1التو ّجه للقارئ: ويأتي هذا الاتجاه الفني كرد
في مجموعة «المعذبون في
الأرض» كثي ًرا ما كان يتوقف فعل على نظرية أرسطو في
طه حسين عن السرد ليخاطب «التطهير» ،التي تعمل على إدماج
القارئ مباشرة ،ففي قصة