Page 183 - m
P. 183
الملف الثقـافي 1 8 1
في انتظار المزيد من السرد وحياطته وصيانته من أن إلى كل هذا التمهيد»(.)12
لإيضاح المعنى واستخراج يعبث به العابثون ،أو أن تمسه وفي قصة «المعتزلة» يضع العميد
الدلالة .إلا أنه في الفقرة الثانية
مباشرة يتوقف عن السرد ليعلق الخطوب بما لا يحب وبما لا مقدمة طويلة يشرح فيها لماذا
على هذه الجملة الغامضة كاش ًفا نحب ،فليكن أث ًرا إلى أبعد غايات اختار هذا الاسم دون سواه،
عن الغاية من هذا الاستهلال ويتحدث كذلك عن قدر المترفين
الملتبس قائ ًل« :وقد استوفيت الأثرة ،محبًّا لنفسه إلى أقصى
فيما أظن ما ينبغي أن يستوفيه آماد حب النفس ،لا يحفل وقدر الأشقياء وموقفه من
الكاتب حين يريد أن يستأنف هؤلاء وهؤلاء ،ويأتي كل ذلك
قصة خطيرة أو يسيرة ،فألقيت بالناس إلا بمقدار ما يهيئون له قبل البدء في السرد والدخول
إلى القراء هذه الجملة الغامضة من الخير ،وما يحققونه له من في أحداث القصة والتعرف على
التي لا ُيذكر فيها الفاعل ولا المنفعة ،وما يبلغونه من الآراب،
المبتدأ إلا متأخ ًرا ،لأثير في فإذا بعد الأمل بينه وبينهم ،أو شخصياتها ،وسنكتفي هنا
نفوسهم هذه النظرية التي تدعو خفيت عليه أسرار الصلات التي بالفقرة الاستهلالية التي مهد
إلى الاستطلاع ،ثم ذكرت بعد تجعله محتا ًجا إليهم وتجعلهم بها للقصة حيث يقول« :لا أريد
هذه الجملة اسم حنينة وابنها محتاجين إلية ،فلا عليه من أن تلك الفرقة الإسلامية المعروفة
نصيف لتزداد حاجة القراء ينكرهم إنكا ًرا ويزدريهم إزدراء، من فرق المتكلمين ،وإنما أريد
إلى هذا الاستطلاع ،ثم فرقت
بين الأم وابنها على هذا النحو ويمضي في طريقه مستمت ًعا أسرة مصرية بائسة كنت
الغريب المريب ،فبينهما حديث لا بطيبات الحياة ،غير ملق با ًل إلى أنسيت أمرها ،حتى كان هذا
يريد الفتى أن يتصل وتحرص ما يكتنفهم من الهول ،وما يصب الوباء الذي ألم بمصر ،فذكرتها
عليهم من الهم ،وما يسلط عليهم ذك ًرا متص ًل مل ًّحا ،وحاولت
الأم على أن يتصل»(.)15 أن أخلص من التفكير فيها فلم
والمُلاحظ أن العميد في توقفه عن من الكوارث والنكبات»(.)14 أستطع ،فأردت أن أتسلى عن
السرد ،وفي خروجه على سياق وفي قصة «صفاء» يستهل طه ذكراها بالتحدث عنها ،لعل هذا
حسين القصة بجملة غامضة التحدث أن يخرجها من ضميري
الأحداث إنما كان يركز على لا يعرف القارئ َم ْن قائلها ولا
جماليات الإبداع والتلقي .فتتجلى مناسبة قولها ولا إلى أي شيء الخاص إلى الضمير العام،
ترمى ،ثم يبدأ السرد بعدها في فيكون في ذلك تخفيف للعبء،
جماليات التلقي في توجهه جو وسياق يخيم عليه الغموض، وتفريج للكرب ،وشفاء لبعض
بالخطاب إلى القارئ وتحديد لتظل الجملة محتفظة بغموضها ما في النفس .والهموم الثقال
طبيعة العلاقة التي بين القارئ
والكاتب على النحو الذي بيناه تخف إذا شاركت في حملها
ساب ًقا ،وهي العلاقة التي يهيمن ضمائر كثيرة ،ولم يقصر ثقلها
عليها مبدأ الحرية بحيث تحقق على ضمير واحد مهما يكن أي ًدا
للكاتب حرية اختيار الموضوع قو ًّيا ،فكيف إذا لم يكن له حظ
والأسلوب الذي يعبِّر به عن
الموضوع ،وتحقق -في نفس من قوة أو أيد»(.)13
الوقت -للقارئ حرية الفهم وفي تحليله للنظام الاجتماعي في
والتأويل عندما تستوي الكتابة مصر يقول في موضع آخر من
عم ًل أدبيًّا مكتم ًل ومستق ًّل ذات القصة« :الأثرة –ياسيدي-
بين يديه .أما على مستوى هي الأساس المتين الذي يقوم
عليه نظامنا الاجتماعي البديع،
الذي نفتديه بأنفسنا ونحميه
بما نملك وما لا نملك من جهد،
فمن أراد الدفاع عن هذا النظام