Page 186 - m
P. 186

‫العـدد ‪59‬‬                                  ‫‪184‬‬

                                ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬                            ‫مراد ًفا للفقر واشتداد الحاجة‪،‬‬
                                                                      ‫إلا أنه في موضع آخر من قصة‬
   ‫اليومي في السعي نحو لقمة‬        ‫يس ُّل جسمه س ًّل‪ ،‬ومن أجل‬
     ‫العيش‪ .‬فالحال التي عليها‬     ‫ذلك لم يكن يج ُّد ولا يك ُّد‪ ،‬ولا‬      ‫«صالح» يضفي على البؤس‬
    ‫قاسم من الضعف والوهن‬        ‫يضطرب في شؤون الحياة كما‬             ‫معنى أكثر شمو ًل بحيث يتجاوز‬
                                ‫يضطرب غيره من الناس‪ ،‬وإنما‬           ‫حال الفقراء‪ ،‬ويمتد ليصل لحال‬
 ‫والتي قد لا تمكنه من سد كافة‬    ‫كان ينفق أيسر الجهد ليمسك‬            ‫الأغنياء‪ .‬وهنا يكتسب «البؤس»‬
  ‫احتياجات الأسرة‪ ،‬هذه الحال‬     ‫الحياة على نفسه وعلى أسرته‬
  ‫تدفع زوجته للخروج والعمل‬       ‫الصغيرة‪ .‬يسعى إلى النهر بين‬              ‫معنى معنو ًّيا بجانب معناه‬
‫من أجل استكمال الدور النضالي‬     ‫حين وحين‪ ،‬فإن ساق الله إلى‬             ‫المادي‪ ،‬فيقول‪« :‬ليس البؤس‬
   ‫الذي أعجز المرض قاسم عن‬        ‫شبكته شيئًا من السمك باعه‬            ‫متصو ًرا على هذه الصفة التي‬
 ‫استكماله‪ ،‬فيقول‪« :‬هنالك كانت‬    ‫في غير مشقة ولا مساومة‪ ،‬ثم‬             ‫تأتي من الفقر‪ ،‬وما يستتبعه‬
‫أمونة تخرج متباطئة‪ ،‬فتلم بهذه‬    ‫عاد بما يغل ذلك عليه من نقد‬             ‫الفقر من الجوع الذي يمزق‬
                                   ‫فاشترى في كثير من الفتور‬             ‫البطون‪ ،‬والإعدام الذي يمزق‬
    ‫الدار أو تلك تعين أهلها من‬
 ‫أمرهم على بعض ما يصنعون‪،‬‬           ‫والألم ما يصلح أمره وأمر‬              ‫الثياب‪ ،‬ويظهر من ثناياها‬
                                         ‫زوجته وابنتيه»(‪.)22‬‬            ‫الصدور والظهور والأكتاف‪،‬‬
   ‫وتعود حين ينتصف النهار‪،‬‬                                            ‫ولكن البؤس قد يتصل بأشياء‬
‫وقد حملت ما يمسك عليها وعلى‬       ‫وفي فقرة تالية يكشف العميد‬          ‫أخرى ليست جو ًعا ولا إعدا ًما‪،‬‬
                                  ‫عن الكفاح الأسري والنضال‬           ‫ولكنها قد تكون ش ًّرا من الجوع‬
    ‫زوجها وابنتها الحياة ويرد‬                                         ‫والإعدام‪ ،‬لأنها تتصل بالنفوس‬
            ‫عنهم الجوع»(‪.)23‬‬                                            ‫والقلوب‪ .‬وإني لأعرف قو ًما‬
                                                                         ‫كثيرين تمتلئ أيديهم بالمال‪،‬‬
‫طه حسين وزوجته الفرنسية سوزان‬                                          ‫ويعظم حظهم من الثراء حتى‬

                                                                           ‫يضيقوا به‪ ،‬وهم مع ذلك‬
                                                                     ‫يجدون بؤساء أي بؤس‪ ،‬وشقا ًء‬

                                                                                    ‫أي شقاء»(‪.)21‬‬
                                                                            ‫‪ -2‬أخلاقيات البؤساء‪:‬‬
                                                                           ‫بالرغم من أن طه حسين‬
                                                                         ‫لا يبالغ في تصوير أخلاقية‬
                                                                     ‫البؤساء‪ ،‬ولا يعمد إلى تصويرهم‬
                                                                          ‫كملائكة‪ ،‬إلا أنه يصورهم‬
                                                                       ‫على النحو الذي يجعل القارئ‬
                                                                        ‫يتعاطف معهم‪ .‬ولهذه الغاية‬
                                                                         ‫فهو لا ينسب لهم مبادئ أو‬
                                                                     ‫شعارات‪ ،‬وإنما يعرض لأحوالهم‬
                                                                       ‫المعيشية المنطوية على رحلات‬
                                                                         ‫كفاح ونضال وجلد‪ ،‬وقدرة‬
                                                                       ‫فائقة على تحمل الألم‪ .‬فيصف‬
                                                                         ‫حال قاسم الصياد في قصة‬
                                                                      ‫«قاسم» قائ ًل‪« :‬وقد كان قاسم‬
                                                                         ‫علي ًل قد نهكه المرض‪ ،‬وكاد‬
   181   182   183   184   185   186   187   188   189   190   191