Page 191 - m
P. 191

‫‪189‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

  ‫والطموح إلى المثل الأعلى في‬  ‫هيلانة‬   ‫قاسية‪ ،‬وأخذوها بألوان من‬
‫الحب هو أثر مباشر من آثار‬                 ‫الحكم لا تخلو من العنف‪،‬‬
‫الحياة السياسية في أيام بني‬                 ‫مما أدى إلى إصابة أهل‬
                                          ‫البادية الحجازية باليأس‪.‬‬
   ‫أمية‪ ،‬إذ اضطرت هذه‬                      ‫هذا اليأس كان مصحو ًبا‬
‫الحياة أهل البادية‬                          ‫بحالة من الفقر الشديد‪،‬‬
                                          ‫نتيجة لعدم توزيع ثروات‬
    ‫الحجازية إلى‬                         ‫الفتح عليهم‪ ،‬وأي ًضا نتيجة‬
‫الابتعاد عن العمل‬                         ‫لطبيعة البيئة الصحراوية‬
‫وأوقعت في قلوبهم‬
                                       ‫التي يعيشون فيها‪ ،‬هذا الفقر‬
   ‫اليأس‪ ،‬وأفقرتهم فزهدوا‬                ‫لم يتح لهم اللهو الذي أتيح‬
     ‫وعفوا وطمحوا إلى المثل‬                        ‫لحضر الحجاز‪.‬‬
                                         ‫ثم يضيف طه حسين سببًا‬
                   ‫الأعلى(‪.)1‬‬                ‫آخر له علاقة مباشرة‬
‫ثم ينتقل طه حسين بعد ذلك‬                   ‫بالسببين السابقين وهو‬
                                         ‫الزهد‪ ،‬فهو يرى أن شعراء‬
  ‫إلى دراسة أخبار العذريين‪،‬‬                ‫الحجاز تأثروا بالإسلام‪،‬‬
‫فنجده يقوم بالترجمة لثلاثة‬                  ‫وبالقرآن خاصة‪ ،‬فنشأ‬
 ‫شعراء عذريين هم‪ :‬مجنون‬                       ‫في نفوسهم شيء من‬
 ‫ليلى‪ ،‬وجميل بثينة‪ ،‬وقيس‬                    ‫التقوى ليس بالحضري‬
‫بن ذريح‪ ،‬وفي أثناء ترجمته‬                  ‫الخالص‪ ،‬وليس بالبدوي‬
‫نجده يستخدم «استراتيجية‬                  ‫الخالص‪ ،‬ولكن فيه سذاجة‬
                                         ‫بدوية‪ ،‬وفيه رقة إسلامية‪،‬‬
  ‫التلخيص» في توضيح أهم‬                  ‫وانصرف هؤلاء الناس عن‬
    ‫الأحداث المؤثرة في حياة‬                ‫حروبهم وأسباب لهوهم‬
     ‫هؤلاء العذريين‪ ،‬وإبراز‬               ‫الجاهلي‪ ،‬كما انصرفوا عن‬
                                          ‫الحياة العملية في الإسلام‬
‫الجوانب العاطفية في حياتهم‪.‬‬               ‫إلى أنفسهم‪ ،‬فانكبوا عليها‬
‫بداية من سمات شخصيتهم‬                     ‫واستخلصوا منها نغمة لا‬
‫ثم طبيعة أسرتهم ووضعهم‬                  ‫تخلو من حزن ولكنها نغمة‬

    ‫الاجتماعي والاقتصادي‪،‬‬              ‫زهد وتصوف‪ ،‬ومن ثم يكون‬
   ‫ومحاولة التعرف على كل‬                    ‫الغزل العذري في حقيقة‬
   ‫دقيقة من دقائقهم بما في‬
                                          ‫أمره مرآة صادقة لطموح‬
      ‫ذلك النواحي الجسمية‬                 ‫أهل البادية إلى المثل الأعلى‬
  ‫والصحية والخلقية‪ .‬وكأن‬                ‫في الحب من جهة‪ ،‬ولبراءتها‬
                                        ‫من ألوان الفساد التي كانت‬
       ‫هذه المعارف هي التي‬                ‫تغمر أهل مكة والمدينة من‬
   ‫تساعده على تفسير الخبر‬                ‫جهة أخرى‪ .‬ثم يوضح طه‬

                   ‫العذري‪.‬‬                  ‫حسين أن الزهد والعفة‬
      ‫يضاف إلى ذلك اعتماد‬
     ‫طه حسين على مخزونه‬
 ‫الثقافي أثناء ترجمته لأخبار‬
‫العذريين‪ ،‬حيث قرأ أخبارهم‬
  ‫وأشعارهم في ضوء أخبار‬
   ‫وأشعار لشعراء سبقوهم‬
  ‫كعمر بن أبي ربيعة(‪ ،)2‬كما‬
   186   187   188   189   190   191   192   193   194   195   196