Page 195 - m
P. 195
الملف الثقـافي 1 9 3
لإثبات صحة هذه الفكرة يسعى إلى إزاحة الفروق متباينة من قبيل رؤية الشعر
ربط بين الواقع التاريخي بينه وبين قارئ خطابه مرآة عاكسة للمجتمع من
والظاهرة العذرية ،مما جعل من خلال جمل الاستفهام، جهة ،وبوصفه انعكا ًسا
تأويله تأوي ًل للوقائع التي وأساليب الأمر ،وكاف لظروف المجتمع من جهة
أثرت في تكوين الظاهرة، الخطاب ،فهو يبتعد في
خطابه عن الخطاب الموجه، أخرى ،مما أفضى في النهاية
وليس تأوي ًل لإنتاجها ويؤسس لما يمكن أن نطلق إلى عدم التفات طه حسين
الأدبي ،فهذا الخطاب كان عليه الخطاب التضامني(*)، للمعنى الشعري ،وللجوانب
وهو خطاب يؤسس لعلاقة الجمالية للشعر العذري.
يسعى في تأويله إلى رد تفاعلية بين المرسل والمتلقي. وهذا لا يمنع أن طه حسين
الظاهرة العذرية إلى الحياة فـ»طه حسين» وظف في
واللون اللذين كانت عليهما خطابه النقدي اللغة الإبلاغية كان يصدر في بعض الأوقات
الموجهة بهدف التأثير في أحكا ًما جمالية ،ولكن
الظاهرة العذرية عند المتلقي وجعله يميل إلى
ظهورها .أي أنه تبنى نموذج رأيه ،ولا يتبنى وجهة نظر في مجملها أحكا ًما قليلة
مختلفة .كما أن هذه اللغة وانطباعية تأثرية ،صدر فيها
التأويل الذي قدمه التصور الإبلاغية تبين لنا أن طه
الوضعي للعلاقة بين السبب حسين نقل خطابه النقدي طه حسين عن «إحساساته
من الطابع الكتابي الجامد الذاتية وذوقه الشخصي أكثر
والأثر ففي «هذا التصور ليضيف عليه طاب ًعا شفاهيًّا
تسير العلاقة بين النص يجعل ما تبقى من جمل مما صدر عن قواعد أصول
والواقع علاقة آلية يستتبع النص تقترب من لغة الكلام جمالية ولغوية في استخلاص
فيها بالضرورة حضور العادي ،ولهذا الأسلوب أحكامه النقدية وتعليلها”(.)13
السبب حصول الأثر»(،)16 تأثيره في القارئ؛ لأن لغة
أي أننا حصلنا على الظاهرة الكلام العادي أكثر مرون ًة كما يتضح لنا -أي ًضا -أن
العذرية بسبب السياسة وإقنا ًعا من اللغة النقدية خطاب طه حسين النقدي
الأموية .ومن ثم أصبح العلمية ،وكأن طه حسين
معيار تلقي الشعر العذري في هذا الخطاب النقدي متأثر في تلقيه لأشعار
عنده هو الصلة الحتمية كان «يخاطب قارئ خطابه العذريين بآراء كل من
التي تنشأ بين الأدب والبيئة بواسطة وسيلتي اتصال «تين» و»سانت بيف»(،)14
التي ظهر فيها .فقد بنى طه سمعية وبصرية ،ليخرج والتي تتجلى عنده من خلال
حسين تلقيه على مفهوم من قيود التلقي الكتابي إلى دراسته لزمان العذريين
«الجبر التاريخي» ،وهو مرونة التلقي المسموع”(.)15 وبيئتهم ،ومن خلال اعتنائه
مفهوم ينظر إلى العمل الأدبي يتضح للباحث من خطاب طه بتحديد موضع العذريين من
بوصفه «يتشكل تحت تأثير حسين النقدي السابق أن هذا العصر الأموي ،وتتجلى أي ًضا
مجموعة من العلل والأسباب الخطاب تبنى فكرة أن الغزل من خلال رصده للظروف
التي تلغي فعالية الفرد العذري أموي النشأة ،وأن السياسية والاقتصادية
وتعتبره خاض ًعا لها”(.)17 البيئة البدوية الحجازية كانت والدينية والاجتماعية التي
وبالتالي نظر هذا الخطاب حاضنته ،وفي سعيه الدائم ميزت عصر العذريين،
إلى الظاهرة العذرية على واعتنائه بكل ما يحيط
أنها واقعة تاريخية ،وحاول بشخصية العذري ،والتعرف
تفسير نشأتها بالنظر إلى على كل دقيقة من دقائق
حياته؛ لتفسير الشعر
البيئة البدوية والعصر
الأموي ،فهذا الخطاب العذري.
ومن الملاحظ في هذا الخطاب
النقدي أن طه حسين كان