Page 192 - m
P. 192

‫العـدد ‪59‬‬                               ‫‪190‬‬

                              ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬                       ‫أنه قرأ هذه الأخبار في ضوء‬
                                                                 ‫الثقافة اليونانية‪ ،‬إذ قرر أن‬
  ‫نادى بها القدماء ووظفوها‬    ‫والتعليل‪ ،‬فـ»طه حسين» هنا‬          ‫محبوبات الشعراء العذريين‬
‫في نقد الشعر‪ ،‬وأطلقوا عليها‬      ‫يمارس سلطته النقدية في‬
                                ‫الحكم على أشعار العذريين‬             ‫يشبهون هيلانة إحدى‬
            ‫عمود الشعر(‪.)5‬‬        ‫معتم ًدا على ذوقه النقدي‪،‬‬     ‫بطلات القصص اليوناني في‬
‫ولكي يؤكد طه حسين أموية‬
                              ‫فطه حسين ارتكز على حدسه‬              ‫عصر الأبطال(‪ .)3‬وهذا إن‬
     ‫الظاهرة العذرية يوظف‬           ‫الخاص وحسه النقدي‬            ‫دل على شيء فإنه يدل على‬
     ‫آلية (الموازنة) إذ يعقد‬      ‫لاستخلاص الخصائص‬                ‫أن القارئ عندما يقرأ عم ًل‬
     ‫موازنة بين شعر الغزل‬             ‫الفنية التي تمتاز بها‬      ‫أدبيًّا لا يقرأه وذهنه فارغ‪،‬‬
‫الجاهلي وشعر الغزل العذري‬                                        ‫بل يقرأه في ضوء نصوص‬
   ‫الأموي‪ ،‬أو كما أطلق عليه‬    ‫الأشعار العذرية‪ ،‬مما ترتب‬        ‫أخرى قد قرأها وتم تخزينها‬
 ‫شعر الإسلاميين‪ ،‬ليصل إلى‬         ‫عليه ابتعاد عملية التلقي‬         ‫في ذهنه‪ ،‬وفي أثناء قراءته‬
 ‫أن الشعر العذري امتاز عن‬         ‫عن التعليل والتفسير‪ ،‬بل‬       ‫يستدعي ما يلائم قراءته من‬
 ‫الجاهلي بشيئين أحدهما‪ :‬أن‬
   ‫الشعراء العذريين قصروا‬     ‫أصبحت أقرب إلى عملية آلية‬                       ‫هذا المخزون‪.‬‬
    ‫حياتهم الفنية على الغزل‪.‬‬      ‫غير خاضعة إلى إجراءات‬             ‫ثم يتجه طه حسين بعد‬
   ‫وكان الشعراء الجاهليون‬        ‫منهجية تعمق فعل التلقي‪،‬‬         ‫ذلك إلى تقويم بعض أشعار‬
   ‫يعنون بالغزل كما يعنون‬          ‫فالذوق الشخصي ليس‬                ‫الشعراء العذريين الذين‬
    ‫بغيره من الفنون‪ ،‬وربما‬       ‫معيا ًرا دقي ًقا لتلقي الأدب‪.‬‬  ‫يترجم لهم في مقالاته تقوي ًما‬
      ‫اتخذوه وسيلة في أكثر‬         ‫ومن اللافت للانتباه في‬           ‫فنيًّا‪ ،‬فنجده يستنتج بعد‬
                                                                    ‫قراءته لبعض المقطوعات‬
        ‫الأحيان لا غاية‪ .‬أما‬   ‫حكمي طه حسين الجماليين‬             ‫الشعرية العذرية أن الغزل‬
 ‫العذريون فقد اتخذوا الغزل‬        ‫السابقين أن أفقه النقدي‬          ‫العذري يمتاز بخصلتين‪:‬‬
  ‫غاية لا وسيلة‪ .‬ولم نعرف‬            ‫مندمج مع أفق النقاد‬        ‫«إحداهما البداوة التي تكسب‬
                                                                  ‫لفظه رصانة في غير عنف‬
    ‫أنهم مدحوا أو عنوا بفن‬     ‫القدماء‪ ،‬فقد اتبع طه حسين‬           ‫ولا جفوة‪ ،‬وتكسب معناه‬
  ‫آخر من فنون الشعر إلا ما‬    ‫طريقتهم في نقدهم وقراءتهم‬           ‫سذاجة في غير سخف ولا‬
   ‫كان يضطرهم إليه الغزل‪.‬‬                                        ‫إسفاف‪ .‬والثانية الصدق في‬
                                     ‫للنصوص‪ ،‬فالحكمان‬              ‫وصف العاطفة وتمثيلها‪،‬‬
      ‫والآخر أن غزل هؤلاء‬       ‫الجماليان السابقان ما هما‬            ‫بحيث لا تكاد تقرأ هذا‬
                               ‫إلا معياران من المعايير التي‬     ‫الشعر حتى تتأثر به‪ ،‬وتقطع‬
                                                                    ‫بأن قائله لم يكن متكل ًفا‬
                                                                      ‫ولا منتح ًل‪ ،‬وإنما كان‬
                                                                  ‫رج ًل يألم ح ًّقا ويصف ألمه‬
                                                                  ‫وص ًفا صاد ًقا‪ .‬أو قل‪ :‬كان‬
                                                                 ‫رج ًل يألم وكان ألمه يصف‬

                                                                                 ‫نفسه»(‪.)4‬‬
                                                                       ‫ومن الواضح أن هذه‬
                                                                      ‫الأحكام أحكام تأثرية‬
                                                                 ‫انطباعية لم تخضع للتحليل‬
   187   188   189   190   191   192   193   194   195   196   197