Page 188 - m
P. 188
العـدد 59 186
نوفمبر ٢٠٢3 الناس ،فردوا برهم عليهم في
شيء من التعفف الذي لا يحب
أشياء كثيرة إلى الغيب»(.)31 جسده تحت عجلات القطار من الفقراء ،فكف الموسرون عن
ولأن الموت يبدو للإنسان ويحتز رأسه« .ويعلم الناس محاولة الرفق بهم والتوسيع
وكأنه واقعة تحدث للآخرين قبل أن ينتصف النهار أن الفتى
على نحو ما بين هيدجر في قد نام ينتظر الموت حتى جاءه عليهم في الرزق»(.)27
وجوديته الزمانية ،فإن العميد به قطار الصعيد ،وأن صفاء -3من البؤس إلى القهر
يحرص على أن يصف وقائع قد أصبحت متزوجة كالمطلقة، ذكرنا أن القهر هو النتيجة
الموت التي يختم بها قصصه فقصمت تلك العقد والتي عقدها النهائية للبؤس .فالحياة في كنف
مرة من جهة الشخص الواقع القسس والتي لا يفصمها إلا الفقر والحاجة لا بد وأن تؤدي
عليه الموت ومرة من جهة الناس إلى شعور ضاغط بالقهر وعدم
الذين يتلقون خبر الموت .ففي الموت»(.)29 القدرة على تغيير الحال ،خاصة
قصة قاسم يقول« :وما من ويلقي صالح بطل قصة إذا طال أمد البؤس ،والحقيقة
شك في أن الشمس قد أشرقت «صالح» نفس المصير تحت أن القوة الضاغطة القاهرة في
بعد ذلك بنورها ،وفي أن المدينة عجلات القطار ،فيقول أمين حياة البؤساء التي يعرض لها
امتلأت حياة ونشا ًطا ،وفي أن رفيقه بعد أن تقدمت به السن طه حسين لا تهيمن على أبطال
الناس اضطربوا في أعمالهم وأصبح رج ًل ذا خطر« :ما قصصه بغير نهاية .وإنما هناك
بما يضطرب في قلوبهم من زلت أرى تلك الجثة قد ألقى بالفعل نهاية ،لكنها نهاية تأتي
نزعات الخير والشر ،وفي أن عليها ثوب غليظ ،ولكني أنظر على غير غرار الأفلام العربية
أمونة وابنتها قد انتظرتا أن إلى وجهها فلا أرى وجه سعيد، القديمة التي كانت تعمد إلى
يعود إليهما قاسم كما تعودتا وإنما أرى وجه صالح ،ومع الحلول السعيدة والنهايات
أن تنتظرا كلما سعى إلى ذلك فلم أر صال ًحا حين أكله المبهجة والمرضية للمشاهد،
النهر من آخر الليل ،ولكنهما القطار( .)30وفي وصف بارع إن العميد يأبي إلا أن يترك
أطالتا الانتظار ،ولم تظفرا منه يصور العميد لحظة انتحار غصة في حلق القارئ الراغب
قاسم في قصة «قاسم» غر ًقا في الراحة ،الغارق في نعيم
بشيء»(.)32 في النهر ،مصو ًرا لحظة التحول اللامبالاة وانعدام المسؤولية.
وفي قصة «خديجة» التي تموت الدقيقة التي تفصل ما بين فالقصص جميعها تنتهي نهايات
غر ًقا في النهر على نحو ما حدث الوجود والعدم ،ليموت قاسم مأساوية مفجعة بحيث تسقط
لقاسم يصف العميد واقعة الموت موتة أقل عن ًفا وقسوة من موتة على القارئ كالصاعقة ،فتزلزل
بطلي قصتي «صفاء» و»صالح»، كيانه ولا تتركه وإلا وقد تركت
من وجهة نظر الآخرين قائ ًل إلا أنها تحمل مغ ًزى فلسفيًّا بداخله أث ًرا عمي ًقا لا يمكن أن
«ذهبن إلى النهر فرحات مرحات، و ُبع ًدا وجود ًّيا لا يمكن أن ُيمحى أب ًدا .هذا إذا كان القارئ
تخطئه العين ،فيقول« :قد أظلمت لديه شيء من إحساس أو
وعدن إلى القرية كاسفات البال عيناه و ُسدت أذناه ،ومضى بقية من عقل يمكن أن يعي
بائسات النفوس .وافتقدت أمامه كأنه السهم الكليل الفاتر وأن يتدبر ،خاصة إذا كان هذا
تدفعه قوة كليلة فاترة ،وجعل القارئ ينتمي إلى طبقة الأغنياء
خديجة حين تقدم النهار قلي ًل يمضي أمامه ويمضي مترف ًقا، أو المسئولين في البلاد كما ذكرنا
فلم توجد ،وإنما وجدت على حتى أحس أنه يخطو في فراغ،
شاطئ النهر ،وفي مكان بعيد ثم أحس بر ًدا يأخذه من جميع في بداية بحثنا.
أقطاره ،ثم لم يحس شيئًا ،ولم ففي نهاية قصة «صفاء» يموت
من حيث تعود النساء أن يملأن يحسه شيء ،وإنما مضى إلى البطل ميتة شنيعة يتمزق فيها
جرارهن ،جرة مملوءة وإلى الغيب كما تمضي في كل لحظة
جانبها بعض الحلي ،والتمست
خديجة في النهر فلم يظفر بها
الباحثون»(.)33
وبنفس الأسلوبية يصور