Page 187 - m
P. 187
185 الملف الثقـافي
واحترامها لمخدومتها من ناحية من دور أهل اليسار ،تقبل مع وفي قصة «خديجة» يصف
أخرى جعلها تأخذ الطعام الصبح السفر فتنفق ما تملك العميد لو ًنا آخر من ألوان الكفاح
وتعطيه للفقراء أو للكلاب من نشاط في خدمة أهل الدار،
وتعود مع الليل المظلم إلى بيت والنضال اليومي الذي يقوم
الضالة وهي عائدة في الطريق أبويها فتنفق الليل فيه .وكانت به البؤساء ،فيقول :وكانت
إلى منزلها ،فيقول: راضية بهذه الحياة باسمة لها محبوبة هذه امرأة نص ًفا ،تطوف
على شيء من حزن كان يستقر بأهل القرية تصنع لهم الخبز،
«منذ ذلك اليوم عرفت ربة في قلبها ويتغلغل في ضميرها، وتصنع لهم من الخبز نو ًعا
الدار أن خديجة خادم لا ولا يبين عنه لسانها حين ينطق، خا ًّصا هو هذا الذي يتخذ من
ولا وجهها حين يأخذ ما يأخذ الذرة رقي ًقا مستدي ًرا واس ًعا..
كالخدم ،وفتاة لا كالفتيات، فكنت تراها في آخر الليل ملمة
فآثرتها بالمودة ،واختصتها من الأشكال»(.)26 بهذه الدار أو تلك تهيئ العجين،
بالحب ،وكادت تتخذها لنفسها و ُيلاحظ أن كفاح البؤساء في وكنت تراها في أول النهار
صدي ًقا ،وقصت على زوجها الحياة القاسية والخشنة ،إنما جالسة أمام الفرن ،تدير بيدها
القصة آخر النهار ،فر َّق للفتاة هو كفاح أسري لا يقتصر على السريعة الصناع قطع العجين..
وأهلها ،وأوصى امرأته بها وبهم الأب أو الأبناء الذكور فقط ولكن وكنت تراها حين يرتفع الضحى
يشمل النساء أي ًضا ،بل من ويوشك النهار أن ينتصف عائدة
خي ًرا»(.)27 المُلاحظ أن النساء يلعبن أدوا ًرا إلى بيتها ذاك الوضيع الحقير،
وفي قصة «المعتزلة» يعرض لنا أكبر في حياة الأسرة ،خاصة وقد حملت أجرها طائفة من
عندما يزحف الضعف والوهن هذا الخبز تضيفها إلى طائفة،
طه حسين صورة أخرى من على رب الأسرة أو تضن عليه وتعيش عليها مع زوجها وبنيها
أخلاقيات البؤساء ،يمكن أن طبيعة العمل بما يفي باحتياجات
نطلق عليها –مجا ًزا« -أخلاقيات الأسرة الضرورية .وربما كان وبناتها»(.)24
هذا سببًا في إبراز البعد النفسي ويصف عمل الأب «شعبان»
الاعتزال» ،وهي أخلاقيات لدى المرأة البائسة وعدم الاكتفاء وهو بنَّاء متواضع ورث المهنة
تختلف عن تلك التي تعرضنا بالوصف الخارجي للهيئة أو عن أبيه قائ ًل« :فكان يعمل
لها منذ قليل .إذ إن أبطال هذه السلوك .وخديجة هنا ليست اليوم أو اليومين أو الأيام القليلة
القصة من البؤساء يكافحون في ليظل بعد ذلك متعط ًل أيا ًما أو
الحياة ويكابدون مشا َّقها ،لكن فقط فتاة جميلة ومكافحة، أسابيع .وكان يوسع على أهله
في صمت ،ودون أي محاولة ولكنها راضية بالحياة باسمة بهذه القروش التي يغلها عمله
للاتصال بالناس أو ممارسة لها برغم مسحة من حزن تعمل من حين إلى حين ،يكسوهم إن
الأعمال التي جرى العرف على على إخفائها ودفنها في أعماق استطاع لهم كسوة ،ويمتعهم
أن يقوم بها أمثالهم في دور بقليل من الطيبات إن طالت يده
الموسرين ،وهؤلاء ينطبق عليهم روحها المنهكة. إلى قليل من الطيبات ،فلم يكن بد
القول «يحسبهم الناس أغنياء وبجانب الأخلاق المادية المرتبطة من أن يعمل الصبية حين شبوا
من التعفف» .وفي هذا المعنى ليقوتوا أنفسهم حيث يعملون،
بالكفاح والنضال في الحياة، وليرجعوا على أهلهم بفضل ما
يقول العميد: يلقي العميد ضو ًءا ساط ًعا على يساق إليهم من الرزق»(.)25
«لم يخطر فيما أعلم لأحد من كما يصف عمل «خديجة» الابنة
الموسرين ،ولأهل الدارين اللتين الأخلاق الروحية للبؤساء. الجميلة الجذابة قائ ًل« :وكانت
كانتا تكتنفان بيتها أن يبروا هذه وخديجة كانت تتلقى من ربة خديجة كاعبًا ،تعمل في دار
الأسرة بقليل أو كثير من الخير، البيت الذي تعمل به أطباق مليئة
لا لأن الموسرين كانوا يبخلون بالطعام لتحملها إلى أهلها كل
بالمعونة على الذين يحتاجون يوم ،إلا أن كبرياءها من ناحية
إلى المعونة ،بل لأنهم في أكثر
الظن قد هموا أن يبروا هؤلاء