Page 184 - m
P. 184

‫العـدد ‪59‬‬                                 ‫‪182‬‬

                                  ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬                         ‫الإبداع فتتجلى جمالياته في رغبة‬
                                                                      ‫العميد إشراك القارئ في العملية‬
   ‫وإنما الهدف كان ‪-‬في الأول‬          ‫بدأت أملي هذا الحديث‪ ،‬فأنا‬
    ‫وفي الآخر‪ -‬عمليًّا إصلاحيًّا‬     ‫إنما شهدت القصة وادخرتها‬              ‫الإبداعية ذاتها‪ .‬والمقصود‬
  ‫اجتماعيًّا‪ .‬الهدف كان محاولة‬    ‫لأتحدث بها إلى قراء هذا السفر‪،‬‬          ‫بالإشراك هنا ليس التدخل‬
  ‫لإعادة صياغة الوعي الجمعي‬          ‫بعد أن مضي على أحداثها ما‬         ‫الفعلي‪ ،‬وانما ا ِّطلاع القارئ على‬
                                                                      ‫تفاصيل العملية الإبداعية بحيث‬
      ‫الخاص بالطبقات المترفة‬           ‫يقرب من نصف قرن»(‪.)16‬‬             ‫يكون على بينة بسيكولوجية‬
    ‫والمن َّعمة بحيث تعيد ترتيب‬     ‫وفي كل الأحوال‪ ،‬فإن التركيز‬        ‫الكاتب والظروف التي تحكمت‬
 ‫أولوياتها على النحو الذي يخدم‬    ‫على جماليات التلقي أو جماليات‬       ‫في اختياراته‪ .‬إلا أن العميد يقوم‬
  ‫قضية العدالة الاجتماعية التي‬                                          ‫بذلك في إطار كبير من الحرية‬
                                      ‫الإبداع‪ ،‬وإيقاف السرد من‬           ‫لا يتنازل عنه أب ًدا‪ ،‬فهو الذي‬
                ‫كانت تشغله‪.‬‬        ‫أجل تسليط الضوء على الأبعاد‬          ‫يقرر متى يفصح عن أسراره‬
                                    ‫المك ِّونة لهما‪ ،‬إنما هو من قبيل‬  ‫الإبداعية ومتى يحجم‪ ،‬وعن أي‬
 ‫ثان ًيا‪ :‬البعد المضموني‬            ‫«التغريب» أو «كسر الإيهام»‪.‬‬       ‫شيء يفصح وأي شيء يحجم‪.‬‬
‫(ماهية القهر وتجلياته)‬            ‫فالقضايا الاجتماعية التي يثيرها‬         ‫ففي موضع آخر من قصة‬
                                                                         ‫«صفاء» يقول‪« :‬الشيء الذي‬
    ‫لا يستخدم طه حسين لفظة‬           ‫العميد والتي يحرص على أن‬           ‫أؤكده للقارئ هو أني لم أختر‬
     ‫«القهر» للتعبير عن معاناة‬         ‫يكون لها صدى في نفوس‬           ‫ولم أكن أستطيع أن أختار زمان‬
  ‫أبطال قصصه‪ ،‬وإنما يستخدم‬                                            ‫هذه القصة ومكانها‪ ،‬كما أني لم‬
 ‫لفظة «البؤس»‪ .‬و»القهر» يعني‬      ‫القراء‪ ،‬إنما يناسبها هذا التكنيك‬    ‫أختر ولم أكن أستطيع أن أختار‬
  ‫الاضطرار والغلبة‪ ،‬بينما يعني‬     ‫السردي الذي يقدم القصة بكل‬          ‫أشخاص هذه القصة وأحداثها‪،‬‬
‫«البؤس» الفقر واشتداد الحاجة‪.‬‬      ‫ما تحمله من مرارات وعذابات‪،‬‬           ‫وإنما اختارت طبيعة الأشياء‬
  ‫ونحن نستخدم في بحثنا لفظة‬        ‫وفي ذات الوقت يعمل على عدم‬              ‫هؤلاء الأشخاص‪ ،‬وأجرت‬
 ‫«القهر» بد ًل من «البؤس» لأنها‬                                        ‫طبيعة الأشياء عليهم ما أجرت‬
     ‫أكثر عمومية وهي النتيجة‬          ‫اندماج القارئ في الأحداث‪.‬‬         ‫من الأحداث‪ ،‬أرادت أن يكون‬
                                      ‫فالغاية الجمالية عند العميد‬      ‫هذا في آخر القرن الماضي أول‬
              ‫النهائية للبؤس‪.‬‬        ‫ليست هي «التطهير» بقدر ما‬            ‫هذا القرن‪ ،‬أن أشهد القصة‬
 ‫فالقهر ‪-‬من وجهة نظرنا‪ -‬هو‬          ‫هي «الإصلاح والتوجيه»‪ .‬بل‬
‫معايشة البؤس واستمرار الحياه‬        ‫يمكن القول إن الغاية الجمالية‬                       ‫وأتأثر بها‬
                                     ‫ليست مطلوبة لذاتها‪ ،‬وربما‬                          ‫أشد التأثر‬
                                     ‫لم تكن مطلوبة على الإطلاق‪،‬‬                       ‫وأعمقه‪ ،‬وأن‬
                                                                                        ‫أدخرها في‬
                                                                                      ‫نفسي لشيء‬
                                                                                     ‫لم أكن أعرفه‬
                                                                                      ‫حين شهدت‬

                                                                                           ‫القصة‬
                                                                                        ‫وادخرتها‪،‬‬
                                                                                        ‫وقد أخذت‬

                                                                                           ‫أعرفه‬
                                                                                        ‫الآن حين‬
   179   180   181   182   183   184   185   186   187   188   189