Page 181 - m
P. 181

‫‪179‬‬           ‫الملف الثقـافي‬

‫برتولد بريخت‬  ‫مارتن هيدجر‬        ‫محمد حسن الزيات‬                   ‫ويؤكد هذا الاستنتاج ما ذكره‬
                                                                  ‫العميد في موضع آخر من ذات‬
‫وصف هذه الحرية التي منحها‬            ‫وستذهب في عنادك ومرائك‬
 ‫لنفسه ككاتب‪ ،‬فيسرد صفحة‬         ‫مذاهب مختلفة‪ ،‬فأنت وما تشاء‪.‬‬       ‫القصة قائ ًل‪« :‬أيهما خير أن‬
 ‫كاملة من قصة «قاسم» يعدد‬                                            ‫ألفتك إلى صالح هذا البائس‬
 ‫فيها احتمالات مواضع الكتابة‬       ‫أما أنا فقد ذهبت المذهب الذي‬    ‫المسكين الذي ملأ مصر نعمة‬
                                     ‫اخترته‪ ،‬وحدثتك بالأمر على‬       ‫وخي ًرا‪ ،‬وملأت مصر حياته‬
    ‫التي كان يمكن أن يمضي‬                                            ‫شقا ًء وبؤ ًسا‪ ،‬أم أحدثك عن‬
  ‫فيها‪ ،‬وكيف أنه تركها جمي ًعا‬            ‫النحو الذي آثرته»(‪.)8‬‬    ‫أمين وموطنه وبيئته وأسرته‬
‫وسلك طري ًقا آخر مخالفة يرى‬         ‫ومع ذلك يمكن أن ُيفهم هذا‬        ‫لتستقيم القصة‪ ،‬ولتستوي‬
 ‫أنها الأجدر بالعناية والتركيز‪،‬‬      ‫الرأي على الوجه الإيجابي‪،‬‬      ‫رائعة بارعة ملائمة لأصول‬
 ‫فيقول‪« :‬والقارئ يستطيع أن‬        ‫فنقول إن العميد إنما كان يريد‬   ‫الفن التي رسمها النقاد؟ أما أنا‬
‫يلاحظ أننا انتهينا إلى مفرق من‬      ‫الاستقلال للقارئ كما أراده‬    ‫فأوثر أن أتحدث إلى قلبك‪ ،‬وما‬
 ‫مفارق الطرق في هذا الحديث‪،‬‬       ‫للكاتب في ذات الوقت‪ .‬فللكاتب‬      ‫يضطرب فيه من عاطفة‪ ،‬وما‬
 ‫فأنا أستطيع أن أذهب معه إلى‬      ‫ان يكتب ما يراه بالطريقة التي‬     ‫يشيع فيه من شعور‪ ،‬على أن‬
  ‫السوق التي ذهب إليها قاسم‬           ‫يشاء‪ ،‬وللقارئ أن يفهم ما‬     ‫اتحدث إلى عقلك وذوقك‪ ،‬وما‬
‫الصياد‪ ،‬وأنا أستطيع أن أذهب‬       ‫يريد أن يفهمه على النحو الذي‬    ‫يثيران في نفسك من تهالك على‬
   ‫إلى هذه الدور‪ ،‬التي يلم بها‬     ‫يرتضيه‪ .‬والفكرة هنا منطقية‬        ‫النقد وحب الاستطلاع»(‪.)7‬‬
‫سيدنا كل صباح ليقرأ القرآن‪،‬‬         ‫وموضوعية‪ ،‬إذ إن الكاتب في‬       ‫ولا يقف الأمر عند هذا الحد‬
‫ويشرب فيها القهوة‪ ..‬ثم أذهب‬           ‫كل الأحوال هو الذي يقوم‬       ‫وإنما يصل إلى درجة تحديد‬
  ‫معه إلى الكتَّاب الذي سينتهي‬   ‫بفعل الكتابة‪ ،‬ومن ثم فإن له أن‬   ‫طه حسين لطبيعة العلاقة التي‬
‫إليه سيدنا حين يرتفع الضحى‬       ‫يختار الأسلوب أو الطريقة التي‬    ‫بينه ككاتب وبين القارئ‪ .‬وهي‬
                                 ‫يعبر بها عن أرائه ومواقفه دون‬   ‫علاقة غريبة وتستحق التأمل لما‬
    ‫وتوشك الشمس أن تزول‪.‬‬           ‫الرجوع للقارئ الذي يأتي في‬    ‫تنطوي عليه من قدر لا يستهان‬
  ‫وأنا استطيع أن أترك قاس ًما‬    ‫مرحلة لاحقة‪ .‬ويسهب العميد في‬     ‫به من الاستفزاز‪ .‬فالعميد يريد‬
                                                                  ‫أن يحقق لنفسه كمؤلف درجة‬
                                                                     ‫من الاستقلالية التي تجعله‬
                                                                   ‫يتصرف على النحو الذي يراه‬
                                                                 ‫ويرضيه هو‪ ،‬لا على النحو الذي‬
                                                                   ‫يراه ويرتضيه القارئ فيقول‪:‬‬
                                                                     ‫«حدثني أيها القارئ العزيز‬
                                                                  ‫أكان من الخير أن أعرض عليك‬
                                                                    ‫تفصيل هذا كله‪ ،‬في أول هذا‬
                                                                    ‫الحديث فتضيق بي وبصالح‬
                                                                   ‫وبأمين‪ ،‬وبالستر الذي يحمل‬
                                                                  ‫إليك هذا الحديث‪ ،‬أم كان الخير‬
                                                                 ‫أن أذهب إلى المذهب اليسير الذي‬
                                                                  ‫اخترته‪ ،‬وأن أحدثك بكل شيء‬
                                                                  ‫حين يحين التحدث به إليه؟ أنا‬
                                                                   ‫أعرف أنك ستعاند وستماري‪،‬‬
   176   177   178   179   180   181   182   183   184   185   186