Page 182 - m
P. 182
العـدد 59 180
نوفمبر ٢٠٢3 يشترى في السوق ما يشاء ،وأن
سيدنا يطوف بالدور وينتهي
أيصدقهم الله ما وعدهم أم للقارئ مباشرة بالحديث في إلى الكتَّاب وأن أقيم في الدار
لا»(.)10 حوار أقرب للمنولوج ،يطرح لا أبرحها ..لكني لن أقيم في
فيه السؤال ثم يتولى الإجابة
ولا يقف النقد عند حدود عنه بنفسه .والحقيقة أن اللهجة الدار ،ولن أتبع قاس ًما ولن أتبع
الأغنياء ،وإنما يمتد إلى سيدنا وإنما سأخرج من الدار،
التي تبدو غير حميمية في وسأنحرف إلى الشمال فأسعى
الحكومات كذلك على اعتبار أن سطوره عند مخاطبته للقارئ،
كلاهما مسؤول عن الحال التي إنما مبعثها -من وجهة نظرنا- حينًا ،ثم أنحرف إلى الشمال
وصل إليها فقراء البلاد ،فيقول مرة أخرى فأسعى قلي ًل ،ثم
بكل جرأة« :والشيء الذي يملأ أن العميد إنما كان يخاطب أنحرف إلى يمين فأمضي أمامي
القلوب غي ًظا والنفوس كم ًدا ،هو المسئولين بالبلاد أكثر مما
أن الحكومات ترى من حرص كان يخاطب القارئ العادي. خطوات ،ثم أجد في أقصى
الأغنياء وبخلهم ومن تقصيرهم فالعمل برمته كان بمثابة هذه الحارة الحقيرة حجرة
ما ترى ،ثم لا تبيح لنفسها من منشور اجتماعي وسياسي
فرض الضرائب ما يتيح لها أن يفضح فيه الأوضاع الظالمة حقيرة»(.)9
تعين المنكوب ،وتغيث الملهوف، والمتردية في المجتمع ،وليس وهذه الحجرة الحقيرة هي ما
أدل على ذلك من أن الفصول يؤثره العميد على السوق وما
وتنقذ المحروب ،وإذا أراد الله الأخيرة من المجموعة كانت يعرض فيها من السلع ،وعلى
بقوم سو ًءا فلا مرد له»(.)11 أقرب للمقال منها إلى القصة، الدور وما يكون فيها من حديث،
-2التدخل في السرد: وكانت تخاطب أغنياء ومترفي وعلى الكتَّاب وما يكون فيه من
تتجلى تقنية «كسر الإيهام» البلاد في صراحة واضحة ،ففي جد ولعب ،ومن سذاجة ومكر
في مجموعة «المعذبون في مقال بعنوان «سخاء» يقول على نحو ما يشرح في السطور
الأرض» ،كذلك فيما يمكن بعبارات حا َّدة لا تخلو من التالية .وما يهمنا هنا أن طه
قسوة« :فليت أغنياءنا يفكرون حسين يقدم للقارئ في وضوح
تسميته بـ»التدخل في السرد». في أنهم يستطيعون أن ينفقوا احتمالات السرد الممكنة مؤك ًدا
حيث كان يعمد طه حسين من فضول أموالهم مخلصين، مرة أخرى على حريته في التنقل
إلى قطع التسلسل الحكائي غير منافقين ولا مرائين ،دون بين هذه الممكنات ،وأنها مسألة
أن يرزأهم هذا الإنفاق شيئًا ذا
والتدخل بآرائه الشخصية في خطر .وليت أغنياءنا يصدقون تخصه وحده ككاتب.
الأحداث أو الشخوص أو حتى وعد الله أو يمتحنون هذا الوعد، وما من شك في أنه لا يقوم
في أمور أخرى تخص مسائل ليتهم ينفقون مخلصين غير بذلك ،فقط ،من أجل إثبات تفوقه
الإبداع والكتابة أو تمس الحياة مرائين ،ليتبينوا أيخلف الله على القارئ ،وإنما بهدف لفت
عليهم ما أنفقوا ،ولكن هيهات! انتباه القارئ إلى القضية الأهم،
الواقعية. ليس إلى ذلك من سبيل .لأن وهي قضية الظلم الاجتماعي
ففي قصة «صالح» يتوقف عن أغنياءنا لا يقرءون ،وهم إذا ومظاهر البؤس التي تطغى على
السرد ليعلق على الكيفية التي قرءوا لا يؤمنون ،وهم إذا آمنوا شخوص القصة .وهنا نعود
اختارها ليسرد بها القصة قائ ًل: لا يغامرون ،وأهون عليهم أن لنؤكد أنه ما كان له أن يصل
«لو أني بدأت هذا الحديث برسم يغامروا بالألوف في ناد من إلى مسعاه في لفت انتباه القارئ
واضح دقيق لشخصية صالح أندية الميسر ،وميدان من ميادين لولا استخدامه لتقنية «التغريب»
السباق ،من أن يغامروا بالألوف
وأمين ،ومن يتصل بصالح في سبيل من سبل البر ليتبينوا أو «كسر الإيهام».
وأمين من الناس ،لضاق القراء ولا يتوقف العميد عن الاستمرار
في الخروج على السرد والتو ُّجه
بهذه المقدمات أشد الضيق،
ولقال بعضهم :تجاوز حديث
الطوفان َو ِص ْل إلى غايتك ،فلسنا
من الغباء والغفلة بحيث نحتاج