Page 58 - m
P. 58
العـدد 59 56
نوفمبر ٢٠٢3
كريم عبد السلام
مدين ُة الحدائق المعّلقة*
وهنا شرع الجائعون في التهام عندما أمطر ْت ثلو ًجا في ديسمبر
الأسوار العالية التي تحمي المدينة وصمت ْت الطيو ُر خو ًفا من الرعد
من العواصف الرملية وقطاع الطرق
والبرق
وكوابيس الصحراء لم يجد الجائعون مف ًرا من التهام
وعند بزوغ الفجر ،كانت جموع المدينة
الجائعين قد ابتلعت الطرق المؤدية إلى حتى تتوق َف الرجف ُة في أجسادهم
المدينة ،وشرعوا في التهام البنايات لم يكن القرار سه ًل
الشاهقة والقصور والبحيرات كان أشبه بخطف المطوا ِة من الل ِّص
الصناعية وحدائق الحيوانات
وغرسها في قلبه
والطيور النادرة والتماثيل الرخامية
والنافورات في الميادين والمباني وهكذا اندفع ْت جمو ُع الجائعين
الأثرية والمقاهي بأجسادهم النحيلة وملابسهم الرثة
وأقدامهم الحافية نحو المدينة البهيَّة
لم يستطع الجائعون أن يكبحوا
شهو َة الالتهام في أنفسهم الجمال
حتى بعد أن توقفت الرجف ُة في بدءوا بالتهام الحدائق المحيطة
أجسادهم، بالسور العالى
بعد شعورهم بالشبع ولم يجدوا صعوب ًة في ابتلاع الشجر
الملو ِن والأنوا ِر المعلق ِة في السماء
كان الأمر أشب َه بإخفاء جث ِث القتلى والعشب وأوراق الزهور والنخيل
بعد المعركة
المثمر والسياجا ِت على شكل طيو ٍر
وهكذا اختفت الميادي ُن الدائري ُة وحيوانا ٍت ،وبلاطا ِت الأرصفة
والشوار ُع الواسع ُة والقصور
البديع ُة والعمارات ذات التصميم الوردية واللافتات الفسفورية على
النادر وأقواس النصر وبوابات مفارق الطرق
الذهب والفضة والنافورات الرخامية
والبساتين التي تشهد على العشاق لك َّن المط َر الثلجي لم يتوقف
واستمر الرع ُد والبرق والرجف ُة في
الأجساد