Page 56 - m
P. 56

‫العـدد ‪59‬‬   ‫‪54‬‬

                                                                     ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬

‫عبير زكي‬  ‫محمد برادة‬                                                       ‫–كما ذكرنا آن ًفا‪ ،-‬وفق آليات وأدوات الكتابة‬
                                                                       ‫الشعرية الجديدة‪ ،‬التي تميز هذه النصوص أكثر‬
  ‫بالحياة والتجربة الشخصيتين في بعض صوره‪،‬‬                               ‫من غيرها‪ ،‬وهي ما ُيطلق عليه «تذويت الكتابة»‪،‬‬
     ‫وجعل صوت الذات الشاعرة حاض ًرا بفاعلية‬
     ‫داخل النص؛ مما يضفي عليه ذاتية وحضو ًرا‬                              ‫أي حرص الأدباء عامة‪ ،‬والشعراء خاصة على‬
                                                                          ‫إضفاء سمات قد تبدو –بشكل أو بآخر‪ -‬ذاتية‬
   ‫مغاي ًرا‪ ،‬قد يبدو متاهيًا‪ ،‬كذلك شيوع الصراعات‬                         ‫على قصائدهم‪ ،‬وذلك من خلال ربط نصوصهم‬
‫اللانهائية المشبعة بالاحتمالات والتداعيات‪ ،‬بحالات‬                       ‫الشعرية بالحياة والتجربة الشخصيتين‪ ،‬وجعل‬

 ‫من الإحباط وخيبة الأمل الممزوج بالأسى والألم‪،‬‬                              ‫صوت الذات الشاعرة حاض ًرا بفاعلية داخل‬
‫ومن توظيف لحكايات الخذلان والغياب والانتهاك‬                                ‫نصوصهم؛ مما يضفي عليها ذاتية وحضو ًرا‬
 ‫والتلاشي في تشكيل المتخيل الشعري للنص لدى‬                                  ‫مغاي ًرا‪ ،‬قد يبدو متاهيًّا‪ ،‬لكنه يمرر ما يعتلج‬
                                                                       ‫الذات الشاعرة وما يسكن داخلها من اضطرابات‬
    ‫الشاعرة‪ ،‬إلى إقرار بالتلاشي التام والانسحاق‬                      ‫شعورية وذاتية تتعلق بالحياة‪ ،‬وعلاقاتهم بالأحياء‪،‬‬
    ‫(وسكب ُت في َك َت َو ُّلهي و َت َو ُّلعي‪َ /‬س َك ْب َت عم ًدا يا‬    ‫وتميز محتوى خطاب النص الشعري الجديد عن‬
   ‫حبيبي َأ ْد ُمعي‪ /‬أبكي فتلته ُب السما ُء ل ُحرقتي‪/‬‬                  ‫محتوى الخطابات الأخرى للنصوص الكلاسيكية‬
    ‫أبكي وصهبا ُء المسا تبكي معي‪َ /‬ي ُم ُّد ذاك اللي ُل‬                     ‫والتقليدية‪ ،‬والتي تعتمد المباشرة في خطابها‬
  ‫في َض سوا ِد ِه‪َ /‬ي ُص ُّب ُحز ًنا فو َق ُحزني المُو َج ِع‪/‬‬           ‫الشعري‪ .‬والحرص على تذويت الكتابة كما يرى‬
  ‫وقف ُت بين الما ِء أنش ُد ُبغيتي‪ /‬لم أد ِر أ ُّي الما ِء حي َز‬     ‫الناقد والأديب المغربي «محمد برادة» يقترن بتوفير‬
    ‫لمنبعي‪ /‬تركتني والخو ُف يهد ُم مرتعي‪ /‬البر ُد‬                        ‫رؤية للعالم تحمل بصمات الذات الكاتبة‪ .‬تقول‬
 ‫حولي والحرائ ُق في دمي‪ /‬جنو ُن شكي في َك يأك ُل‬                          ‫الشاعرة في قصيدة «أ ْح َب ْب ُت ِف ْي َك ص َبا َبتي»‪:‬‬
  ‫مضجعي‪ /‬ماذا جرى حتى نقضت ُع ُهودنا)‪ .‬إن‬
   ‫النص بهذه الصورة يقوم على التركيب التخييلي‬                                            ‫«وسكب ُت في َك َت َو ُّلهي و َت َو ُّلعي‬
   ‫الذي يحث القاريء على النظر إلى حركة الصور‬                                            ‫َف َس َك ْب َت عم ًدا يا حبيبي َأ ْد ُمعي‬
‫الشعرية المتعددة من زوايا رؤية مختلفة باختلاف‬                                            ‫أبكي فتلته ُب السما ُء ل ُحرقتي‬
  ‫المشاهد الشعرية والرؤى التي تحتملها‪ ،‬لا سيما‬                                          ‫أبكي وصهبا ُء المسا تبكي معي‬
                                                                                          ‫و َي ُم ُّد ذاك اللي ُل في َض سوا ِد ِه‬
                                                                                      ‫و َي ُص ُّب ُحز ًنا فو َق ُحزني المُو َج ِع‬

                                                                                            ‫حتى إذا غمر الغما َر َنحي ُب ُه‬
                                                                                         ‫وامت َّد َسي ُل الما وما قيل اقلعي‬
                                                                                          ‫ووقف ُت بين الما ِء أنش ُد ُبغيتي‬

                                                                                            ‫لم أد ِر أ ُّي الما ِء حي َز لمنبعي‬
                                                                                    ‫فمتى ذهب َت؟ وكيف كن َت سبقتني؟‬

                                                                                       ‫وتركتني والخو ُف يهد ُم مرتعي‬
                                                                                       ‫والبر ُد حولي والحرائ ُق في دمي‬
                                                                                     ‫وجنو ُن شكي في َك يأك ُل مضجعي‬
                                                                                       ‫ماذا جرى حتى نقضت ُع ُهودنا‬
                                                                            ‫ورحل َت في أي الجها ِت الأرب ِع» ص‪.60 ،59‬‬
                                                                        ‫يأتي النص ليتداخل فيه الخيال بالمأمول عبر ما‬
                                                                     ‫ُيسمى بتذويت الكتابة‪ ،‬حيث حرص الذات الشاعرة‬
                                                                      ‫على إضفاء سمات قد تبدو –بشكل أو بآخر‪ -‬ذاتية‬
                                                                      ‫بعض الشيء‪ ،‬وذلك من خلال ربط النص الشعري‬
   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61