Page 180 - merit 47
P. 180

‫العـدد ‪47‬‬                             ‫‪178‬‬

                                ‫نوفمبر ‪٢٠٢2‬‬                      ‫على «الحمام البارد»‪ ،‬تحدي ًدا‬
                                                                 ‫مع البالغين من أهل القرية‪،‬‬
    ‫مقارنة بمنازل الآخرين‪،‬‬        ‫أن تنهض وتتجه إلى منزل‬
  ‫فلا يستطيع الوصول إليها‬                 ‫الجبل لتحتمي به‪.‬‬         ‫لكن ظل ممنو ًعا الاقتراب‬
                                                                   ‫من النهر والبحيرة‪ .‬لذا في‬
     ‫بسهولة‪ ،‬كما أن الماء لم‬        ‫استشعرت خطورة الأمر‬            ‫الواقع‪ ،‬كان مسمو ًحا فقط‬
                ‫ُيغرقه بعد‪.‬‬      ‫من وجه أمي‪ .‬لأنها شخص‬          ‫باللعب في البركة أمام البيت‪.‬‬
                                                                 ‫حتى وصلنا لفيضانات تلك‬
 ‫كنت عني ًدا‪ ،‬عندئذ احتوتني‪،‬‬        ‫متفائل للغاية‪ ،‬لم تجعلها‬
 ‫لكن ذلك لم يج ِد نف ًعا‪ ،‬أبيت‬  ‫مسؤولية البيت تتجهم يو ًما‪،‬‬           ‫السنة‪ ،‬كبرت في برهة‪.‬‬
                                ‫على الرغم من بقاء أبي بعي ًدا‬     ‫في تلك السنة‪ ،‬خيم الوجوم‬
          ‫الخروج بمفردي‪.‬‬
  ‫بدت أمي غاضبة فع ًل هذه‬           ‫للعمل في المدينة‪ .‬بالنسبة‬        ‫على وجوه الناس بسبب‬
‫المرة‪ ،‬وضعت قبعة الخيزران‬          ‫لي‪ ،‬كطفل وحيد لامرأة في‬         ‫الأمطار المُستطيلة‪ ،‬كأنهم‬
‫على رأسي وألبستني معطف‬          ‫منتصف العمر‪ ،‬أحظى بأكثر‬           ‫أُنذروا بش ٍر ما‪ .‬أصبح الماء‬
                                ‫من دلال‪ ،‬تسمح لي بالنوم في‬         ‫في البركة موحل ومرتفع‪،‬‬
       ‫المطر بالقوة‪ ،‬وضعت‬        ‫الصباح‪ ،‬تقوم بأعمال البيت‬        ‫الشتلات في الحقول ُجرفت‬
  ‫الفانوس المقاوم للرياح في‬                                       ‫بواسطة المياه‪ ،‬بلاط المنزل‬
 ‫يدي‪ ،‬وما لبثت أن سحبتني‬             ‫تارة وتغني تارة أخرى‬        ‫تزعزع بفعل الرياح العاتية‪،‬‬
                                    ‫منادية عليَّ‪ ،‬فتوقظني‪ .‬لم‬      ‫فض ًل عن تسرب الأمطار‬
      ‫إلى الباب ودفعتني إلى‬       ‫يحدث أن أيقظتني هكذا في‬       ‫إلى بعض الثقوب‪ ،‬استخدمنا‬
    ‫الخارج‪ .‬لكن قدم َّي كانتا‬   ‫منتصف الليل‪ ،‬باستثناء ذلك‬       ‫ال ِّدلاء لاستقبالها؛ أما أصوات‬
 ‫كأنهما مليئتان بالرصاص‪،‬‬          ‫العام عندما اشتد الجفاف‪،‬‬        ‫اهتزاز البيت‪ ،‬فجعلته يبدو‬
 ‫وتبدو كأنها ملتصقة بغراء‪،‬‬          ‫حتى أجلب معها ما ًء من‬
    ‫انتزعتهما خطوة بخطوة‬                                                  ‫كأنه ينبض فجأة‪.‬‬
‫ووقفت تحت الإفريز محتميًا‬                            ‫البئر‪.‬‬      ‫ذات ليلة‪ ،‬احتدمت العاصفة‬
    ‫به‪ ،‬راف ًضا الذهاب‪ .‬قالت‬     ‫نهضت‪ ،‬وذهبت مع أمي إلى‬
   ‫بغضب إنني لا أفهم شيئًا‬                                            ‫واشتد صرير الأبواب‬
    ‫وأزعجها فحسب‪ .‬بغض‬               ‫الباب‪ .‬كان الظلام دام ًسا‬     ‫والشبابيك‪ .‬غفيت أنا وأمي‬
‫النظر عما قالت‪ ،‬لم أذهب إلى‬     ‫بالخارج‪ ،‬اختلط هديج الرياح‬      ‫فيما يشبه التهويدة‪ .‬لا أدري‬
 ‫أي مكان‪ .‬لم يمض إلا وقت‬                                        ‫كم كان الوقت عندما شعرت‬
  ‫قليل حتى أقبل قائد فريق‬         ‫بأصوات المطر‪ ،‬قالت‪ :‬غرق‬         ‫بأقدام كثيرة خارج المنزل‪.‬‬
‫الإنتاج‪ ،‬وحملنا على الانتقال‬    ‫بي ٌت آخر‪ .‬وأردفت‪ :‬الماء ليس‬
  ‫إلى مكا ٍن آمن‪ .‬عندئذ قامت‬                                       ‫إلى جانب أصوات عصف‬
   ‫أمي بتجهيز حزمة كبيرة‬             ‫بعي ًدا عن بيتي‪ ،‬سيطول‬         ‫الرياح وانهمار المطر‪ ،‬بدا‬
     ‫وأغلقت الباب‪ ،‬وغادرت‬        ‫السيل بيتي قريبًا‪ ،‬لقد أغرق‬       ‫أن أحدهم كان يثير ضجة‬
 ‫المنزل على مضض‪ ،‬في مهب‬                                            ‫ما بالخارج‪ ،‬وكانت أي ًضا‬
                                     ‫بالفعل السلم الحجري‪.‬‬        ‫تلك الصافرات التي يسمعها‬
             ‫المطر والرياح‪.‬‬       ‫تريدني أن أنأى بنفسي إلى‬           ‫فقط فريق الإنتاج(‪ )1‬عند‬
‫بزغ النهار ونحن على الجبل‪،‬‬       ‫بيت الجبل‪ ،‬وتظل هي قائمة‬           ‫انتهاء العمل‪ .‬ظننت أنني‬
                                                                ‫أحلم بحل ٍم ما‪ .‬استيقظت أمي‬
     ‫نستطيع مشاهدة هول‬             ‫على تنظيف ومسح المنزل‬        ‫باك ًرا‪ ،‬رأتني أستيقظ‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫الفيضان‪ .‬التلال أسفل الجبل‬                     ‫قبل الذهاب‪.‬‬        ‫هناك فيضان‪ .‬غمرت المياه‬
                                                                   ‫المنازل الموجودة على التل‪،‬‬
    ‫عبارة عن رقعة شاسعة‬         ‫شعرت بشك ٍل غامض أن بقاء‬           ‫وربما انهار بعضها‪ ،‬عليك‬
   ‫بيضاء‪ ،‬المياه الموحلة تزأر‬      ‫أمي للتنظيف كان ذريعة‪،‬‬
    ‫بشدة‪ ،‬وحقول الفلاحين‬              ‫فقلت‪ :‬إذا كنت تريدين‬
  ‫أصبحت تحت الماء‪ ،‬وتبدو‬
 ‫تلك البيوت النابضة بالحياة‬     ‫الذهاب فلنذهب سو ًّيا‪ ،‬أو لن‬
                                  ‫أذهب‪ .‬كان الغضب يرتسم‬
                                 ‫على ملامحها‪ ،‬لكنها هدأتني‬

                                ‫قائلة‪ :‬أُ ِّس َس بيتي من الطوب‬
                                     ‫الأحمر‪ ،‬إنه مقاوم للماء‬
   175   176   177   178   179   180   181   182   183   184   185