Page 183 - merit 47
P. 183

‫حول العالم ‪1 8 1‬‬

   ‫الطفولة مع أمي بجواري‪.‬‬                    ‫ساعة للوصول‪.‬‬         ‫واليانغ‪ .‬كان يمكنني قراءة‬
     ‫أربعون عا ًما من الفارق‬     ‫أقيم في منزل ابن أخي‪ ،‬وهذا‬     ‫حزن أبي من خلال مذكراته‪.‬‬

‫الزمني‪ ،‬خلقت مشاعر غريبة‪،‬‬          ‫لما فيه من حميمية‪ ،‬فمنزله‬         ‫كل يوم‪ ،‬كان أبي يضع‬
      ‫يتجسد أمام عيني الأم‬             ‫الآن هو منزل طفولتي‬         ‫زوجين من عيدان الطعام‬
                                     ‫آنذاك‪ .‬كثي ًرا ما أحلق في‬    ‫والأطباق على الطاولة‪ ،‬كنت‬
‫وطفلها في ذلك الوقت‪ ،‬وذات‬                                           ‫أعرف أنهما لأمي‪ .‬كانت‬
 ‫الأم لكن وهي تشاهد ما أنا‬          ‫البركة أمام المنزل وأتذكر‬      ‫بقربنا وقت تناول الطعام‪،‬‬
  ‫عليه اليوم‪ .‬قريب ًة في العين‪،‬‬  ‫مشهد حمل الماء مع أمي قبل‬         ‫باتت حتى أكثر قر ًبا‪ .‬بعد‬
  ‫بعيدة المنال‪ .‬وأنا جالس في‬      ‫أربعين عا ًما‪ ،‬وهو أمر دافئ‬
 ‫غرفة ابن أخي‪ ،‬تلمست أنني‬                                             ‫اثنين وثلاثين عا ًما من‬
  ‫أبدو مثل أبي في المرآة؛ وفي‬      ‫على نحو خاص‪ .‬يصغرني‬             ‫وفاتها‪ُ ،‬توفي أبي عن عمر‬
  ‫ذهول‪ ،‬بدا كأنه يجلس هنا‬            ‫ابن أخي بثلاث سنوات‪،‬‬        ‫يناهز الخمس وثمانين عا ًما‪،‬‬
   ‫يتبادل أطراف الحديث مع‬                                         ‫و ُدفن إلى جانبها على سفح‬
                                   ‫لقد كان شريك طفولتي في‬         ‫الجبل‪ ،‬في مسقط رأسيهما‪.‬‬
   ‫ابن أخيه‪ .‬أتساءل إذا كان‬      ‫اللعب‪ ،‬يقول‪ :‬عمي‪ ،‬لقد كنت‬      ‫وأخي ًرا‪ ،‬تمكن والدا َي‪ ،‬اللذان‬
    ‫ابن أخي أي ًضا يرى مثل‬        ‫ح ًّقا شقيًّا في صغرك‪ ،‬كانت‬       ‫قضيا حياتهما في شتات‪،‬‬
    ‫هذه الأشباح‪ .‬في الواقع‪،‬‬                                       ‫أن يجتمعا م ًعا‪ .‬عندما حان‬
 ‫يمتلك الجيلان سيناريوهات‬            ‫والدتك تلاحقك‪ ،‬لكن بلا‬
‫متشابهة‪ ،‬كما لو كانت الحياة‬         ‫جدوى‪ ،‬كنت تطير في كل‬             ‫وقت ذهابه‪ ،‬كان مسالمًا‬
                                    ‫مكان‪ .‬في حقيقة الأمر‪ ،‬أنا‬     ‫للغاية‪ ،‬كما لو كان بانتظار‬
               ‫تعيد نفسها‪ِ.‬‬        ‫لا أتذكر كيف كنت أبدو في‬
   ‫في الديار‪ ،‬شعرت دائ ًما أن‬       ‫صغري‪ .‬لم يكن لد َّي شك‬           ‫هذا اليوم‪ ،‬جعلني أدرك‬
‫أبي وأمي بجواري‪ ،‬يتجولان‬             ‫فيما قاله‪ ،‬فتبصر المشهد‬    ‫معنى «أن يشبه الموت العودة‬
 ‫في المنزل لي ًل‪ ،‬وعلى ما يبدو‬   ‫يعود للرائي‪ ،‬وبطبيعة الحال‪،‬‬
                                  ‫باعتباري الشخص المرئي لا‬         ‫إلى الوطن»‪ .‬اليوم‪ ،‬اجتمعا‬
    ‫فهما يرافقاني في التنزه‪،‬‬     ‫أستطيع أن أرى نفسي‪ .‬لكن‬          ‫م ًعا‪ ،‬وأنا ما زلت أعيش في‬
     ‫صامتين‪ ،‬لكن يتوهجان‬           ‫تراءى لي مشهد ذلك العام‪.‬‬     ‫المدينة وحدي‪ .‬كثي ًرا ما أعود‬
   ‫دفئًا‪ .‬أستلقي على السرير‪،‬‬       ‫ابتسمت لابن أخى‪ ،‬كتعبير‬      ‫لزيارتهما‪ ،‬وسائل المواصلات‬
  ‫وهما مستلقيان على الجبل‪،‬‬           ‫عن الرضا وشكرته على‬           ‫أصبحت أيسر اليوم‪ ،‬كما‬
 ‫متقاربين‪ ،‬لم يعد ثمة شتات‬                                         ‫أنني أصبحت أي ًضا أمتلك‬
                                         ‫منحي ذكرى رائعة‪.‬‬         ‫سيارتي الخاصة‪ ،‬ولم يعد‬
              ‫بين ين ويانغ‬       ‫أتجول حول المنزل‪ ،‬تعتريني‬         ‫الطريق يستغرق أكثر من‬
                                  ‫أفكار كثيرة‪ ،‬كأني أجد ريح‬

                                                                     ‫هوامش‪:‬‬

    ‫‪ -1‬فرق الإنتاج منظمة تكونت من عام ‪ 1958‬إلى عام ‪ ،1984‬ضمن خطط ماو تسي دونغ للإصلاح الزراعي واستعادة الإنتاج‬
                               ‫الزراعي لمستواه‪ ،‬وكان لها سلطة اتخاذ القرار في العملية الإنتاجية وتوزيع الدخل على أعضائها‪.‬‬

    ‫* سارة عزت زيدان‪ ،‬مترجمة وباحثة في الأدب الصيني‪ .‬تخرجت في كلية الألسن قسم اللغة الصينية عام ‪ .2017‬حاصلة على‬
‫دبلومة الأدب الصيني من كلية الألسن جامعة عين شمس ‪ .2021‬شاركت في المؤتمر السابع للباحثين الشباب بكلية الألسن جامعة‬

      ‫عين شمس المنعقد في مارس ‪ 2021‬ببحث تحت عنوان «أدب السجون النسوي في العالم العربي»‪ .‬وشاركت في ترجمة كتاب‬
                          ‫«مختارات من المسرح الصيني الحديث» الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة‪ ،‬سلسلة أفاق عالمية‪.‬‬
                                                ‫‪ -‬المصدر‪https://www.baishitou.com/sanwensuibi/42730.html :‬‬
   178   179   180   181   182   183   184   185   186   187   188