Page 188 - merit 47
P. 188

‫العـدد ‪47‬‬                               ‫‪186‬‬

                                 ‫نوفمبر ‪٢٠٢2‬‬                            ‫الواقع‪ ،‬حالمة بالوصول‬
                                                                       ‫إلى عصر إنساني جديد‪،‬‬
    ‫هو أمير شعراء الرفض‪،‬‬            ‫في الإمكان الأكمل‪ ،‬وليس‬           ‫يكون أكثر حرية‪ ،‬وعدالة‪،‬‬
‫عندما كتب قصيدته المعروفة‬             ‫نقطة وصول‪ ،‬إنه الحلم‬          ‫ومساواة وقدرة على تحقيق‬
                                                                    ‫حياة تليق بالإنسانية‪ ،‬وهي‬
     ‫(لا تصالح)‪ ،‬وقد لجأ ُت‬       ‫المستمر أب ًدا والبحث المتصل‬     ‫ليست قصيدة زاعقة محشوة‬
    ‫إلى التأسيس المفهوماتي‬        ‫دائ ًما‪ ،‬عن هدف متحرك‪ ،‬كل‬
    ‫لقصيدة الرفض في شعر‬           ‫محطة وصول إليه هي حلم‬                   ‫بالصخب والفوضى‪،‬‬
‫العامية من خلال نموذج مهم‬                                             ‫والخطابة‪ ،‬بل هي قصيدة‬
  ‫في مدرسة العامية المصرية‬          ‫بالوصول إلى ما بعده»(‪،)7‬‬          ‫تضمر في جوهرها الحلم‪،‬‬
   ‫وهو أحمد فؤاد نجم‪ ،‬لأنه‬          ‫ويضيف د‪.‬جابر عصفور‬              ‫والحب‪ ،‬والمساواة‪ ،‬والكشف‬
     ‫من أكبر شعراء الرفض‬            ‫في قوله «فالعهد الآتي هو‬        ‫عن جماليات النوع الشعري‬
   ‫في العامية‪ ،‬فلم يتوان عن‬       ‫الحلم الأكبر الذي يغرينا ما‬      ‫الجديد‪ ،‬فهي قصيدة مشغولة‬
   ‫كتابة قصيدة تواجه الظلم‬         ‫تحقق منه بالوصول إلى ما‬            ‫بتطوير نوعها من الداخل‪،‬‬
   ‫والاستبداد‪ ،‬والقهر الذاتي‬      ‫بعده من أحلام لا تنتهي إلا‬         ‫رافضة الجمود والاستقرار‬
 ‫والجمعي‪ ،‬وتعلن في صرخة‬            ‫بانتهاء الحياة نفسها‪ ،‬وهذا‬
 ‫فنية لافتة عن أسباب نكسة‬            ‫هو معنى الرفض الخلاق‬               ‫الشكلي والمضموني‪ ،‬من‬
 ‫العام السابع والستين‪ ،‬وعن‬           ‫الذي تنتسب إليه قصيدة‬             ‫أجل إحداث ثورة فنية في‬
    ‫زنازين الستينيات‪ ،‬وعن‬            ‫الرفض‪ ،‬التي ينتمي إليها‬       ‫القصيدة‪ ،‬حيث يشير أستاذنا‬
 ‫قدرة الشاعر في التعبير عن‬           ‫شعر أمل دنقل‪ ،‬وقد ظل‬            ‫جابر عصفور في كتابه عن‬
 ‫جماعته الشعبية من الشباب‬          ‫هذا الشعر نقي ًضا لحضور‬            ‫أمل دنقل بعنوان «قصيدة‬
   ‫والثائرين آنذاك‪ .‬فصارت‬           ‫الدولة التسلطية في زمنه‪،‬‬           ‫الرفض» إلى «أن الشاعر‬
  ‫قصيدة نجم‪ ،‬هي شعارهم‬           ‫ورف ًضا لكل صور الاستبداد‬
‫السياسي التي تجسد آلامهم‬           ‫والظلم والفساد والجبروت‬               ‫أمل دنقل قام بتأصيل‬
  ‫وقوتهم ومحبتهم لوطنهم‪.‬‬           ‫المقترنة بهذه الدولة‪ ،‬ولذلك‬        ‫قصيدة الرفض في شعرنا‬
      ‫وتقوم قصيدة الرفض‬              ‫لم يكن رفض هذا الشعر‬          ‫المعاصر‪ ،‬وهي القصيدة التي‬
    ‫في شعر أحمد فؤاد نجم‬          ‫لغياب الحب والعدل والعقل‪،‬‬         ‫تكشف عن واقع الضرورة‪،‬‬
    ‫على ثلاث بنيات أساسية‬         ‫كالحرية في العالم الذي كتب‬           ‫لتستبدل به عالم الحرية‬
   ‫(البنية الذاتية‪ ،‬السياسية‪،‬‬        ‫فيها فحسب‪ ،‬وإنما يمتد‬            ‫والعدل والمساواة‪ ،‬وكانت‬
‫والاجتماعية) وأعني بالذاتية‬        ‫رفضه إلى عالمنا‪ ،‬بل إلى كل‬        ‫هذه القصيدة صادرة دائ ًما‬
  ‫تلك النصوص التي تتحدث‬           ‫عالم تغيب فيه مبادئ الحب‬           ‫عن مبدأ الرغبة وليس مبدأ‬
   ‫عن الذات ورفضها لما هي‬           ‫الذي لا يتمايز فيه إنسان‬
      ‫عليه من تفكك وضياع‬             ‫عن إنسان أو مواطن عن‬                ‫الواقع‪ ،‬مبشرة بالعالم‬
  ‫وفقدان‪ ،‬واكتئاب ومرض‪،‬‬          ‫مواطن‪ ،‬والعقل الذي هو أداة‬           ‫الأكمل والأجمل‪ ،‬فالرفض‬
 ‫فالذات إذن تقاوم ما أل َّم بها‬     ‫مخلوقات الله لمعرفة الحق‬        ‫في هذه القصيدة فعل خلاق‪،‬‬
   ‫من نكبات داخلية‪ ،‬رافضة‬        ‫والحرية والخير والجمال على‬           ‫لا يرضى بما هو كائن أو‬
 ‫وجودها المادي والمعنوي في‬                                          ‫واقع‪ ،‬وإنما يبحث عما يجب‬
                                                 ‫السواء «(‪.)8‬‬
                  ‫آن واحد‪.‬‬               ‫من الملحوظ أن جابر‬             ‫أن يكون‪ ،‬وما ينبغي أن‬
                                  ‫عصفور اتخذ من شعر أمل‬              ‫يقع‪ ،‬ولذلك فمملكته ليست‬
 ‫بنية الرفض الذاتي‬                 ‫دنقل مستن ًدا معرفيًّا وفنيًّا‬
                                   ‫للتأسيس لقصيدة الرفض‪،‬‬               ‫في عالم الضرورة أو هذا‬
‫نلاحظ تعدد أشكال الرفض‬           ‫حيث أطلق النقاد عليه ‪-‬أمثال‬       ‫العالم الذي نعيش فيه‪ ،‬وإنما‬
                                  ‫لويس عوض‪ -‬أن أمل دنقل‬             ‫مملكته دائ ًما في العهد الآتي‪،‬‬
                                                                     ‫لكن العهد الآتي دائ ًما سفر‬
   183   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193