Page 193 - merit 47
P. 193

‫‪191‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

    ‫خالص (ما تدوشناشي)‬          ‫الشعب ولا تستطيع الدفاع‬      ‫معلنة رفضها لخطاب التنحي‬
 ‫وتعني فرض سياسة القمع‬                               ‫عنه‪.‬‬         ‫الشهير‪ ،‬وتحول التنحي‬

     ‫والصمت‪ ،‬حتى تخرس‬               ‫تبدو قصيدة (الحمد لله‬      ‫إلى كوميديا سوداء ساخرة‬
‫الألسنة‪ ،‬وهي تفيد اللامبالاة‪،‬‬      ‫خبطنا) من قصائد أحمد‬         ‫من الواقع المأساوي الذي‬
 ‫وعدم الاكتراث بالأمر وكأن‬
                                     ‫فؤاد نجم الخالدة‪ ،‬فقد‬        ‫سقط على الأمة المصرية‬
    ‫النكسة أمر عادي يحدث‬           ‫حفظتها جماهير الشعب‬          ‫في العام السابع والستين‪،‬‬
   ‫في كل بلاد العالم‪ ،‬والناس‬     ‫المصري آنذاك مرددة إياها‬        ‫فردد المصريون عبارتهم‬
    ‫أعمار‪ ،‬ايه يعني لما يموت‬    ‫في الميادين والمظاهرات التي‬
                               ‫راحت تجوب شوارع مصر‪،‬‬               ‫المشهورة‪( :‬أحا‪ ،‬أحا‪ ،‬لا‬
     ‫مليون؟! أو كل الكون؟!‬        ‫مطالبة السلطة باسترداد‬        ‫تتنحى)‪ ،‬حيث تفيد (أحا)‬
   ‫من الملحوظ أي ًضا أن فؤاد‬      ‫الأراضي ومحاربة الكيان‬     ‫الاعتراض والرفض على قرار‬
 ‫نجم شاعر يستنطق الكلمات‬                                     ‫جمال عبد الناصر في التنحي‪،‬‬
  ‫الخرساء الحزينة في عيون‬            ‫الإسرائيلي‪ .‬كما تحمل‬
   ‫المارة والمهمشين‪ ،‬وكأنهم‬         ‫القصيدة كلها مفارقات‬           ‫وعليه أن يكمل مسيرة‬
                                ‫فنية ذات مستويات متنوعة‬         ‫الحرب‪ ،‬وتحرير الأراضي‬
     ‫بلا سعر أو ثمن حقيقي‬         ‫أهمها الرفض السياسي‪/‬‬
   ‫في نظر السلطة السياسية‬      ‫المفارقة السياسية التي ارتكز‬            ‫المصرية والعربية‪.‬‬
 ‫والعسكرية‪ ،‬فيقبض الشاعر‬       ‫عليها الشاعر في البناء الفني‬       ‫وأعتق ُد أن الشاعر فؤاد‬
     ‫على الكلمات ليخلق منها‬     ‫للقصيدة‪ .‬ونلاحظ استخدام‬        ‫نجم راح منفع ًل‪ ،‬فانفجرت‬
    ‫قصيدة تتحدث بلسانهم‬         ‫الشاعر لبنى لفظية صاخبة‬         ‫قصيدة الحمد لله‪ ،‬خبطنا‪،‬‬
                                 ‫وساخرة متضمنة الرفض‬
       ‫وتعبر عن جراحاتهم‬            ‫والخروج والضياع‪ ،‬في‬             ‫وهي قصيدة ساخرة‬
                 ‫المستباحة‪.‬‬      ‫الوقت نفسه‪ ،‬مثل (المحمية‬         ‫بالأساس تحمل مشاهد‬
                                    ‫الحرامية الفول الطعمية‬      ‫متناقضة كثيرة‪ ،‬لأنه يريد‬
 ‫بنية الرفض‪ /‬القهر‬             ‫الحاشية سينا ماتدوشناشي‬            ‫أن يرسل رسالة للنظام‬
      ‫الاجتماعي‬                 ‫شاحنين أنفار الموت مليون‬     ‫السياسي من خلال قصيدته‪،‬‬
                                  ‫أعمار‪ )..‬تبدو هذه الألفاظ‬     ‫معلنًا رفضه للهزيمة التي‬
 ‫يمثل القهر الاجتماعي بنية‬         ‫داخل البناء الشعري عند‬        ‫أدت إلى احتلال الأراضي‬
     ‫واسعة‪ ،‬ومهمة في شعر‬           ‫أحمد فؤاد نجم مفردات‬            ‫العربية‪ ،‬وتشير عبارة‬
   ‫أحمد فؤاد نجم‪ ،‬حيث إنه‬         ‫حادة تحمل رؤية الشاعر‬      ‫(خبطنا تحت بططنا‪ ،‬يا محلا‬
                               ‫السياسية تجاه ما حدث‪ .‬بل‬       ‫رجعة ظباطنا من خط النار)‬
   ‫يرصد في قصيدته طبقات‬          ‫تمثل هذه المفردات علامات‬     ‫إلى المشهد المأساوي المنكسر‬
 ‫المجتمع المصري والعنصرية‬           ‫وإشارات فنية تدل على‬     ‫الذي جسده الشاعر بطريقته‬
                                 ‫رؤية الجماهير فيما حدث‪،‬‬       ‫الساخرة‪ ،‬وكأنه يقول لهم‬
    ‫التي تمارس عليه‪ ،‬فيلجأ‬          ‫لأن هذه المفردات تمثل‬      ‫بروح مصرية ساخرة أه ًل‬
      ‫الشاعر إلى الحديث عن‬      ‫هوية الشعب المصري‪ ،‬فهو‬       ‫بكم أيها الكسالى الذين فقدوا‬
    ‫الشارع‪ /‬الجماهير التي‬          ‫من اخترعها واستخدمها‬          ‫كرامتهم عائدين بالنكسة‬
  ‫تشغي في شوارع القاهرة‪،‬‬        ‫ليعبر من خلالها عن رغباته‬     ‫والهزيمة‪ .‬كما استخدم نجم‬
 ‫فالشارع في القصيدة‪ ،‬يمثل‬      ‫وأفكاره وأمنياته واحتجاجه‪،‬‬      ‫الرمز الشعري أثناء تعبيره‬
  ‫رم ًزا للجماهير التي تكافح‪،‬‬   ‫وقد تمثل في تعبير مصري‬       ‫عن نخبة من البطانة الفاسدة‬
 ‫ساعية‪ ،‬وراء تحقيق رغبتها‬                                         ‫والحاشية المستميتة على‬
  ‫في الحياة‪ ،‬محاولة الدخول‬                                   ‫السلطة من أصحاب الكروش‬
     ‫في الحلم‪ ،‬فمهما اتسعت‬                                         ‫الكبيرة التي تأكل خبز‬
    ‫الشوارع؛ فهي ضيقة لم‬
   188   189   190   191   192   193   194   195   196   197   198