Page 189 - merit 47
P. 189

‫‪187‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

 ‫يسقيني المر وبرضه اسقيه‬         ‫«ح أقولك شلت تكونش‪ ،‬ما‬      ‫الذاتي في قصائد أحمد فؤاد‬
            ‫من بحر الصبر‬           ‫آلماني»‪ .‬ومن الملحوظ أن‬      ‫نجم‪ ،‬وقد تجلى ذلك من‬
               ‫اللي ف قلبي‬
                                 ‫الشاعر أحمد فؤاد نجم‪ ،‬قد‬    ‫خلال صوت الشاعر نفسه‪،‬‬
  ‫حتقول لي بتشكي أُمال من‬        ‫اعتمد على لغة شعرية ذات‬    ‫وأصوات آخرين يقوم عليها‬
                       ‫إيه؟‬      ‫أصوات صاخبة‪ ،‬مشحونة‬
                                 ‫بالحزن‪ ،‬وكاشفة عن تمرد‬         ‫البناء الشعري كله‪ ،‬ومن‬
             ‫ولا من أوجاع‬      ‫الذات الشاعرة‪ ،‬لأن القصيدة‬      ‫الملحوظ أن الشاعر يطرح‬
             ‫ولا شوق لمتاع‬     ‫تشف عما بداخل الشاعر من‬
        ‫دانا عمري إن ضاع‬           ‫جراحات مادية ومعنوية‪،‬‬         ‫جراحاته الداخلية‪ ،‬وهو‬
      ‫مش ح أبكي عليه»(‪.)10‬‬                                       ‫من أكثر شعراء العامية‬
      ‫اتكأ الشاعر في المقطع‬            ‫وفي ظني أن ما يميز‬    ‫استخدا ًما لصوت الرفض‪/‬‬
‫السابق على استدعاء بكائيات‬        ‫نصوص أحمد فؤاد نجم‪،‬‬            ‫الشاعر المناهض‪ ،‬وكأنه‬
     ‫الرفض الشعري‪ ،‬حيث‬             ‫أنه يعتمد على لغة ثورية‬  ‫البطل الفعلي داخل القصيدة‪،‬‬
    ‫تستمد الذات من تمردها‬      ‫خاطفة‪ ،‬تخطف الحدث برفق‪،‬‬      ‫فتقوم القصيدة على استدعاء‬
      ‫الداخلي حلمها في حياة‬        ‫فتهضمه الذات الشاعرة‪،‬‬       ‫شخصية الطبيب المعالج‪/‬‬
     ‫جديدة رغبة في الشعور‬
   ‫بالعدل والخير‪ ،‬والجمال‪،‬‬          ‫دون معاناة أثناء عملية‬        ‫المخلِّص‪ ،‬فتبوح الذات‬
  ‫والسعادة المفقودة‪ ،‬فيعتمد‬    ‫التلقي‪ ،‬حيث تبدأ الذات لحظة‬   ‫الشاعرة بأسرارها وآلامها‬
‫على شعرية الشجن‪ ،‬والحزن‪،‬‬
     ‫والقوة في الوقت نفسه‪،‬‬        ‫أن تبوح بأسرارها الخفية‬       ‫وأسباب كآبتها‪ ،‬وهو ما‬
    ‫مستم ًرا في طرح مبررات‬         ‫عن مدى شكواها الذاتية‬     ‫ترفضه‪ ،‬متمردة على حياتها‬
     ‫الذات الشاعرة لرفضها‬                                   ‫وتصاريف الزمن بها‪ ،‬فيقول‬
   ‫وتمردها الحقيقي‪ ،‬كاش ًفا‬      ‫من الحياة والواقع والبشر‬
       ‫عن جراحاتها المزمنة‪،‬‬         ‫الذين ينغصون حياتها‪.‬‬                       ‫الشاعر‪:‬‬
  ‫ومعاناتها اليومية‪ ،‬ونلاحظ‬                                                   ‫«اسمعني‬
   ‫أن الشاعر استخدم بعض‬          ‫تهدف من خلالها الوصول‬              ‫ح أقول لك أسراري‬
‫المفردات التي تصف المر‪ ،‬لأن‬    ‫إلى حياة أكثر جما ًل وسعادة‬  ‫لو شلت الشكوى على لساني‬
  ‫المر عند العامة‪ ،‬يتشكل من‬                                              ‫ورميتها قريب‬
 ‫شقائهم‪ ،‬ومعاناتهم اليومية‬         ‫وطمأنينة‪ ،‬فيقول الشاعر‬    ‫ما تكونش جراحي ما آلماني‬
  ‫في البحث عن لقمة العيش‪،‬‬        ‫في مقطع آخر من القصيدة‬               ‫أب ًدا‪ ،‬يا طبيب»(‪.)9‬‬
 ‫والحياة الكريمة‪ ،‬حفا ًظا على‬                                 ‫يبدأ صوت البطل الشعري‬
    ‫كرامتهم‪ ،‬وقد تجلى ذلك‬                          ‫نفسها‪:‬‬   ‫المتمرد في القصيدة عند أحمد‬
   ‫من خلال علامات الرفض‬                 ‫«ما أنا دقت الجرح‬      ‫فؤاد نجم من خلال الفعل‬
  ‫الآتية (يسقيني المر وخدت‬                                  ‫(اسمعني) حيث تتشكل أداة‬
    ‫عليه‪ ،‬أوجاع‪ ،‬ضاع مش‬                        ‫وخدت عليه‬      ‫الرفض والتمرد والخروج‬
 ‫حبكي عليه) وعلى الرغم من‬                                      ‫من حالة الحزن والألم إلى‬
 ‫قسوة الواقع‪ ،‬فإن الذات لن‬                                        ‫حالة البوح والخلاص‪،‬‬
   ‫يشغلها العمر الذي ضاع‪،‬‬                                     ‫وذلك من خلال فعل الأمر‬
  ‫ولن تبكي عليه‪ .‬ويشي هذا‬                                       ‫الذي يحمل رغبته في أن‬
   ‫المقطع بأن الذات الشاعرة‬                                     ‫يسمعه الآخر‪ ،‬كي يشكو‬
                                                              ‫إليه آلامه وأوجاعه الذاتية‪،‬‬
                                                              ‫وتبدأ روح الشاعر المتمرد‬
                                                              ‫في البناء اللغوي من خلال‬
                                                             ‫تداعي الأفعال الحركية مثل‬
   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193   194