Page 181 - merit 47
P. 181

‫حول العالم ‪1 7 9‬‬

  ‫جدول رطيب يربط بينهما‪.‬‬              ‫كريم‪ ،‬ومشاهدة العمران‬           ‫انمحت بفعل يد عليا غير‬
    ‫مواجهات جافة‪ ،‬وكلمات‬              ‫والناس الأنيقة العصرية‬       ‫مرئية‪ ،‬ولم يعد ُيستدل على‬
                                    ‫في المدينة‪ .‬في الواقع‪ ،‬كانت‬
‫قليلة ج ًّدا للتبادل‪ ،‬هذا ما كان‬       ‫المدرسة الابتدائية‪ ،‬التي‬        ‫بيت منها سوى بالحس‬
‫بيننا‪ .‬أناديه في اليوم مرتين‪:‬‬       ‫التحقت بها‪ ،‬مجرد مدرسة‬          ‫وخصائص الأشجار‪ ،‬التي‬
‫«بابا»‪ ،‬عند العودة بعد انتهاء‬                                      ‫كانت موطنها‪ .‬لم يعد النهر‬
                                        ‫صغيرة تديرها القرية‪.‬‬        ‫الصغير أمام القرية ضمن‬
     ‫الدوام‪ ،‬مرة في منتصف‬             ‫وعندما التحقت بالمدرسة‬
     ‫اليوم وأخرى في المساء‪،‬‬       ‫الإعدادية‪ ،‬كانت أي ًضا في بدء‬       ‫مجال الرؤية‪ ،‬كما لو أنه‬
‫ليست هناك كلمات أكثر‪ ،‬كان‬         ‫الأمر مدرسة تابعة للمنطقة؛‬           ‫تمدد وصار بسرعة إلى‬
                                     ‫بعد فصل دراسي‪ ،‬نقلني‬
        ‫ذاك هو تأديب الأب‪.‬‬        ‫أبي إلى مدرسة ثالثة بالمدينة‪.‬‬                       ‫محيط‪.‬‬
  ‫كل يوم يهم لإعداد الطعام‪،‬‬          ‫أحسبه عمل بكد أي ًضا من‬          ‫لم يسعني في خضم هذا‬
                                                                      ‫التحول المفاجئ بين ليلة‬
    ‫وأنا أمسح الأرض وأعد‬                        ‫أجل دراستي‪.‬‬          ‫وضحاها‪ ،‬سوى الذهول‪.‬‬
 ‫الطاولة‪ .‬وقت تناول الطعام‪،‬‬           ‫ذلك الوقت كنت أفكر في‬
 ‫يجلس ناحية الغرب وأجلس‬            ‫أمي‪ .‬تسكن الريف‪ ،‬وتعمل‪،‬‬                ‫هكذا تكون الكارثة‪.‬‬
                                  ‫وتقوم بالأعمال المنزلية‪ ،‬لكن‬     ‫نضب الماء‪ ،‬ولم يغرق بيتي‪،‬‬
     ‫في الشرق‪ ،‬يتناول طبق‬          ‫ماذا ستفعل إذا احتاجت أن‬
       ‫الخضراوات‪ ،‬وأتناول‬           ‫تشعل الحطب وتعد الطعام‬            ‫فعدنا أنا وأمي‪ .‬أما أمي‪،‬‬
                                   ‫ولم يكن هناك من يساعدها‪،‬‬         ‫فأخذت تمدحني دائ ًما أمام‬
 ‫اللحم‪ ،‬يتناول اللحم فأتناول‬         ‫ماذا ستفعل عندما تضطر‬
  ‫الخضراوات‪ ،‬يشاهد موجز‬           ‫إلى نزول البئر لجلب الماء عند‬        ‫الناس‪ ،‬قائلة إنني كنت‬
                                     ‫الجفاف‪ ،‬وماذا عن تكرار‬           ‫حكي ًما ح ًّقا في تلك الليلة‪،‬‬
     ‫الأخبار وأشاهد الدراما‬          ‫وقوع الفيضان‪ .‬بعد ذلك‪،‬‬        ‫وإنني نضجت‪ ،‬أشبه برجل‬
     ‫التلفزيونية‪ ،‬ينام بسلام‬         ‫صارت أمي‪ ،‬التي علمتني‬          ‫صغير‪ .‬ذكرتني كلمة رجل‬
   ‫وأراجع دروسي‪ ،‬مسالمين‬                ‫كتابة الرسائل إلى أبي‪،‬‬    ‫بأبي‪ .‬كنت أبلغ عشر سنوات‬
                                     ‫المُخاطب في رسائلي‪ .‬كانت‬
            ‫هكذا فيما بيننا‪.‬‬          ‫الرسائل المُرسلة من أمي‬                         ‫حينها‪.‬‬
   ‫منذ ذلك الحين لم نلت ِق أنا‬     ‫دائ ًما ما تقول إن كل الأمور‬   ‫الآن‪ ،‬بعد مرور أربعين عا ًما‪،‬‬
                                     ‫بخير‪ ،‬وليس ثمة ما يدعو‬
     ‫وأمي‪ ،‬إلا خلال عطلات‬         ‫للقلق‪ .‬لقد صدقت ذلك أي ًضا‪،‬‬        ‫عندما أتحدث عن سنوات‬
  ‫الشتاء والصيف‪ .‬أفضل ما‬           ‫فهي بالغة الحكمة‪ ،‬إ ًذا لا بد‬    ‫طفولتي أتذكر حت ًما قريتي‬
‫كان في العطلات الصيفية هو‬         ‫أن تكون بخير‪ .‬غير أن هناك‬          ‫وأمي؛ بمعنى آخر‪ ،‬فإنني‬
‫الذهاب إلى النهر المقابل للبلدة‬     ‫لحظة خاصة تجعلني أفكر‬          ‫عندما أتحدث عن أمي‪ ،‬غالبًا‬
‫للعب بالماء‪ ،‬ومشاهدة التلفاز‬         ‫فيها في الديار‪ ،‬مثل قبضة‬      ‫ما أفكر في سنوات طفولتي‬
   ‫أو لعب الغميضة في الليل؛‬          ‫أبي ونعاله‪ ،‬اللذين يثيران‬      ‫في الريف‪ ،‬هذا لأنني تركت‬
   ‫حتى خلال الموسم الشاق‬                ‫حنيني إلى دفء كنفها‪.‬‬
                                    ‫منزل بدون امرأة‪ ،‬لا تأمل‬           ‫القرية في سن العاشرة‪،‬‬
    ‫المزدوج لحصاد وزراعة‬            ‫بتبادل الكثير فيه بين الأب‬         ‫وذهبت إلى المدينة حيث‬
   ‫الأرز كنت سري ًعا ج ًّدا في‬       ‫وابنه‪ ،‬أو لنقل كجبلين بلا‬    ‫أبي‪ ،‬للدراسة‪ ،‬التي هي غاية‬
  ‫الزراعة ولم أشعر بالتعب‪،‬‬
  ‫على العكس‪ ،‬شعرت بإثارة‬                                                    ‫مكوثي في المدينة‪.‬‬
                                                                      ‫في المدينة‪ ،‬كنت في حيرة‬
      ‫وسعادة كأننا نتبارى‪.‬‬                                          ‫شديدة‪ ،‬لا أدري لماذا ألقى‬
‫أما أفضل ما كان في العطلات‬                                         ‫بي والداي هنا‪ .‬لعل السبب‬
                                                                        ‫يرجع إلى تحصيل علم‬
  ‫الشتوية بشكل أساسي هو‬                                              ‫ومستقبل أفضل؛ أو ربما‬
     ‫ال ُعطل الزراعية‪ ،‬الجميع‬                                        ‫للسماح لي بتجربة الآيس‬

   ‫في منازلهم يلعبون الورق‬
     ‫ويتجاذبون الحديث‪ .‬أما‬
   176   177   178   179   180   181   182   183   184   185   186