Page 234 - merit 47
P. 234

‫العـدد ‪47‬‬         ‫‪232‬‬

                                                                                 ‫نوفمبر ‪٢٠٢2‬‬   ‫يتلائم مع تطلعاته الثورية‪،‬‬
                                                                                                ‫ومثلما كان لذاته الواقعية‬
   ‫وشحذها وتفعيل جذوة‬                               ‫الاستعانة بأناها الحالمة‬
‫قبسها لتحقيق حياة أفضل‪،‬‬                         ‫لتكون فاعلة في تعزيز فكرة‬                         ‫دور في الرصد والنظرة‬
                                                                                                ‫الجوالة للبحث عن عيوب‬
  ‫ففي كل عام جديد تص ُّب‬                             ‫شمولية النظام وتم ُّكن‬                      ‫ال َّساسة ومثالبهم‪ ،‬كانت‬
  ‫الأمنيات في خليج الفرحة‬                          ‫أذرعه من إنهاء الأحلام‬                      ‫لذاته غير الواقعية صولات‬
   ‫والتغيير والانحراف عن‬                           ‫بزج أصحابها بالسجون‬                            ‫ُمماثلة في توجيه الشعر‬
                                                ‫والتغييب القسري‪ ،‬فالسياق‬
    ‫مسارات القهر والنكد‪،‬‬                             ‫المقامي اتكأ على ُثنائية‬                      ‫السياسي نحو مراميه‬
‫ولكن ذلك لم يتحقق في ظ ِّل‬                                                                         ‫المُعتادة‪ ،‬وهو حتى في‬
                                                     ‫ُمتضادة‪ ،‬ال ُأولى ال َّذات‬                  ‫ذاته الحالمة والمُستشرفة‬
  ‫الأنظمة الشمولية وقوتها‬                        ‫الحالمة وما لاقته من فرحة‬                        ‫لل ُمستقبل لم يكن إ َّل ن ًّدا‬
    ‫الضاربة‪ ،‬وهذا ما دفع‬                         ‫وصفها بالبشر وشعورها‬                         ‫وخص ًما قو ًّيا ُيقارع و ُيبارز‪،‬‬
    ‫أحمد مطر لجعلنا ُنعيد‬                       ‫بالأمان لعدم تتبع أثرها من‬                          ‫ويمكن قراءة ذلك في‬
                                                ‫المُخبرين والمُنافقين‪ ،‬والخير‬                   ‫مثالين‪ :‬الأول فيما يخص‬
  ‫حساباتنا ونحن نستقبل‬                                                                           ‫ذاته الحالمة ولكنَّها واعية‬
‫العام الجديد‪ ،‬واستبان ذلك‬                         ‫يفيض بالطعام دلالة على‬                        ‫بما ُتريد وترسم‪ ،‬والثاني‬
                                               ‫عدل النظام وتوزيع الثروات‪،‬‬                          ‫يخ ُّص ذاته المُستشرفة‬
              ‫في قوله(‪:)15‬‬                                                                      ‫لل ُمستقبل ودرايتها التامة‬
   ‫َحش ٌر مع الخرفا ِن عيد!‬                        ‫ولكن سير الحلم توقف‬                          ‫بخبايا الأهوال‪ .‬وم َّما قاله‬
                                                  ‫عندما تسيَّد الواقع وأنهى‬                    ‫في حلم يفضح أحد الأنظمة‬
      ‫ُقل ُت ما هذا الكلام؟!‬                     ‫مهزلة الحلم الوردي الذي‬
‫إ َّن أعوا َم الأسى ولَّت‪ ،‬وهذا‬                    ‫شعر به الشاعر؛ فجاءت‬                                  ‫الدكتاتورية(‪:)14‬‬
                                                 ‫الصفع ُة باستعارة (أصابع‬                        ‫وقف ُت ما بين يدي مفس ِر‬
                ‫خي ُر عام‬                        ‫النظام) التي ف َّجرت رأسه‬
‫إعَّنفه َطعاالُمكاالِئ َّنسلفايم‪.‬لحيته‪ ..‬قال‪:‬‬                                                                   ‫الأحلام‬
                                                    ‫وأنهت المشهد الدرامي‪،‬‬                     ‫قل ْت له‪« :‬يا سيدي رأي ُت في‬
                    ‫بليد‪.‬‬                        ‫فالحلم المُفرح قابله الواقع‬
           ‫ُقلت‪ :‬من أنت؟!‬                                                                                         ‫المنام‬
  ‫وماذا يا ترى منِّي ُتريد؟!‬                        ‫القاسي ولوى عنقه إلى‬                              ‫أني أعي ُش كالبشر‬
  ‫قال‪ :‬لا شيء بتا ًتا‪ ..‬إ َّنني‬                  ‫درجة إنهاء وجوده‪ ،‬وهذه‬                               ‫وأ َّن من َحولي بشر‬
                                                                                              ‫وأ َّن َصوتي بفمي‪ ،‬وفي يد َي‬
             ‫العا ُم الجديد‬                         ‫إشارة إلى عدم السماح‬
    ‫فالشاعر في حواره مع‬                        ‫للأحلام من أن تأخذ طريقها‬                                         ‫الطعام‬
 ‫الآخر المُفترض يعلم جي ًدا‬                                                                     ‫وأ َّنني أمشي ولا يتبع من‬
‫بالمُستقبل بحسب الأوضاع‬                                          ‫للعقول‪.‬‬
  ‫الراهنة‪ ،‬واتضح ذلك ُمنذ‬                       ‫وقد تش َّعبت فلسفة الشاعر‬                                     ‫خلفي أثر‬
     ‫الاستهلال عندما قال‬                                                                      ‫فصاح بي ُمرتع ًدا‪ :‬يا ولدي‬
 ‫(حش ٌر مع الخرفا ِن عيد)‪،‬‬                         ‫أحمد مطر وسلكت ُطر ًقا‬
   ‫فالشعب ِخراف الساسة‬                             ‫كثيرة‪ ،‬لتحقيق ما تصبو‬                                          ‫حرام‬
  ‫وهم ُمساقون نحو الذبح‬                            ‫إليه من التنوير وإرشاد‬                               ‫ل َق ْد هزئت بالقدر‬
‫في أي وقت ُيريدون‪ ،‬وعليه‬                           ‫العقول المُستنيرة لتكون‬                        ‫يا ولدي‪َ ،‬ن ْم ِعندما تنام‬
 ‫فالأعوام تستنسخ بعضها‬                         ‫جاهزة للفهم وقابلة للتصدي‬                        ‫وقبل أن أتركه تسلَّلت من‬
   ‫ولا جدوى من استقبال‬                           ‫وإعلاء شأنها في المُستقبل‬                            ‫أُذني أصابع النظام‬
  ‫العام الجديد لأ َّنه يحتوي‬                    ‫القريب‪ ،‬لذا نرا ُه في أكثر من‬                       ‫واهتز رأسي وانفجر‬
   ‫على المضامين ذاتها‪ ،‬لذا‬                     ‫موضع ُينبِّهنا إلى ما ستؤول‬                        ‫تحاو ُل ذا ُت الشاعر هنا‬
‫كان التما ُسك الدلالي مبثو ًثا‬                    ‫إليه الأمور وأين سينتهي‬
  ‫بعناية‪ ،‬فالاستهلال جعل‬
                                                     ‫بنا المطاف؟ و ُمحاولته‬
                                                 ‫هذه فرصة لمُراجعة ذواتنا‬
   229   230   231   232   233   234   235   236   237   238   239