Page 245 - merit 47
P. 245

‫‪243‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

    ‫يجربها مخلوق غيرة‪:‬‬                              ‫يقول‪:‬‬                     ‫الرافدين‬
 ‫جئتك من كل منافي العمر‬            ‫مرة أخرى على شباكنا‬             ‫دعاء كفي عاشق أن‬
  ‫أنام على نفسي من تعبي‬
  ‫وقنع ُت يكون نصيبي في‬                             ‫نبكي‬             ‫يحفظ الله العراق‬
                                    ‫ولا شيء سوى الريح‬          ‫وأن أكحل ذات يوم فيه‬
     ‫ال ُّدنيا كنصيب ال َّطير!‬      ‫وحبات من الثلج على‬
    ‫ولكن سبحانك‪ ..‬حتَّى‬                                                ‫بالأحباب طرفي‬
                                                    ‫القلب‬    ‫وأزور قب ًرا ضم ما قد ضم‬
         ‫الطير لها أوطان‬             ‫مرة أخرى أمد القلب‬
 ‫وتعود إليها‪ ،‬وأنا ما زلت‬          ‫بالقرب من النهر زقاق‬               ‫من صبر العراق‬
                                  ‫مرة أخرى أحني نصف‬          ‫وهكذا نرى أن شعر الغربة‬
                   ‫أطير!‬            ‫أقدام الكوابيس بقلبي‬      ‫عند مظفر يفيض إحسا ًسا‬
‫لقد استخدم التشبيه البليغ‬          ‫وأضيء الشمع وحدي‬
                                    ‫وأوافيهم على بعد وما‬            ‫عبر عنه في قصيدته‬
   ‫في قوله «منافي العمر»‪،‬‬                                    ‫السابقة من خلال تشبيهات‬
 ‫وفي تشبيه نفسه بالطير‪،‬‬                        ‫عدنا رفاق‬
                                      ‫لم يعد يذكرني منذ‬         ‫مثل (رياح المساء تجيء‬
   ‫كما استخدم الكناية في‬            ‫اختلفنا أحد غير قلبي‬        ‫ذئا ًبا) حيث شبه الرياح‬
  ‫قوله (أنام على نفس من‬              ‫والطريق صار يكفي‬
                                ‫وفي موضع آخر من ديوانه‬             ‫التي تهب عليه بذئب‬
                  ‫تعبي)‪.‬‬                                       ‫مفترس‪ ،‬و(أتعبني العمر)‬
   ‫وفي موضع آخر يقول‪:‬‬                      ‫الشعري يقول‪:‬‬
    ‫أحلق وحدي بطائرة‬               ‫لم يذكرني منذ اختلفنا‬           ‫و(ضحكت شبابيك)‪.‬‬
‫كل ركابها نزلوا في مطار‬
                                        ‫أحد في الحفل غير‬         ‫بين الاغتراب‬
                  ‫غريب‬                          ‫الاحتراق‬      ‫والحنين إلى الوطن‬
        ‫وأعطس في البرد‬
   ‫لا طاقما‪ ..‬لا مضيفة‪..‬‬         ‫لذلك نراه يعزي نفسه على‬          ‫في كل أشعار وقصائد‬
  ‫لا مطارات حب سأنزل‬                               ‫غربتة‪:‬‬        ‫مظفر النواب سنجد أن‬
                                                             ‫الوطن هو الحاضر الغائب‪،‬‬
                  ‫فيها‪..‬‬         ‫سيدتي صار لنا أكثر من‬         ‫فالحنين إلى الوطن يمزقة‬
          ‫ولا بل ًدا عرب ًّيا‬            ‫مقبرة في الغربة‬        ‫ويؤرقة ويلهب شجونه‪،‬‬
  ‫أيكون تبرأ مني الزمان‬                                         ‫فلديه شعور جارف بأنه‬
                                  ‫والسلطة من أفضال الله‬      ‫الشاعر المطرود من الأرض‬
               ‫الحبيب؟‬          ‫علينا باقية والحزن جميل‬          ‫والسماوات‪ ،‬لذلك يندب‬
    ‫وتتضح الاستعارة في‬                                        ‫حظة على وطن تسرب منه‬
  ‫هذا التعبير‪ ،‬فالحدود في‬         ‫وهو يجسد حالته وغربتة‬         ‫ولم يعد له‪ ،‬ولهذا لا يفتأ‬
   ‫وجه هذا الشاعر الكبير‬             ‫بكلمات بارعة ومؤثرة‬        ‫يتحدي غربتة واغترابه‪.‬‬
  ‫مقفلة‪ ،‬المجال الجوي إلى‬            ‫بعدما أضناه التعب في‬
  ‫الأوطان مغلق‪ ،‬وسيبقي‬                                              ‫ففي قصيدتة «تلات‬
  ‫هذا الشاعر المحلق معلق‬           ‫رحلة البحث عن الوطن‪،‬‬        ‫أمسيات على بوابة السنة»‬
    ‫في الهواء في انتظار أن‬          ‫تلك الحاله الفريدة التي‬  ‫نجد تجسي ًدا رائ ًعا للوحدة‪،‬‬
   ‫يفتح له الوطن أحضانه‬             ‫عبر عنها باستفاضة في‬     ‫وحالة التجاهل التي يعانيها‬
     ‫ويستقبله على أرضه‬           ‫اشعاره التي تشبة إلى حد‬
   ‫ليرتاح من طول تحليقة‬             ‫كبير حياة أبطال فرانز‬        ‫الشاعر‪ ،‬فنبض قلبه هو‬
   ‫وتعبه‪ ،‬ولكن هذا الأمر‬        ‫كافكا‪ ،‬وسارتر وألبير كامو‬      ‫الوفي الوحيد الذي يذكره‪،‬‬
                                   ‫والتي يكتنفها الإحساس‬        ‫بينما الطريق الطويل هو‬
      ‫تأخر وطال انتظارة‬         ‫بالضياع والعبث‪ .‬إنها حالة‬
         ‫عشرات السنين‪.‬‬          ‫فريدة ربما لم يعايشها ولم‬         ‫صديقه الصدوق حيث‬
   240   241   242   243   244   245   246   247   248   249   250