Page 241 - merit 47
P. 241

‫‪239‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

  ‫فجاءت الاستعارة المكنية‬      ‫الصحف الرسمية‪ ،‬ولذلك‬           ‫للمستعمر الجديد‪ ،‬قرر‬
    ‫جميلة تشخص الجرح‬           ‫هاجمها مظفر في قصيدته‬         ‫الإنجليز نفيهم إلى خارج‬
                                ‫التي كتبها بلهجة عراقية‬     ‫البلاد وعرضوا عليهم أن‬
  ‫كقوله (ساومت جرحك)‬          ‫شعبية على لسان الأم التي‬     ‫يختاروا الدولة التي تروق‬
    ‫و(خلي الجرح ينظف)‪،‬‬         ‫تناشد ابنها السجين عدم‬     ‫لهم ليرحلوا إليها‪ ،‬فاختاروا‬
                                                          ‫الوطن الأم العراق وارتحلوا‬
 ‫كما شخص الجرح عندما‬                ‫تقديم البراءة قائلة‪:‬‬  ‫إليه ومعهم ثرواتهم الكبيرة‬
     ‫جعله يرفض شداده‪،‬‬           ‫يا عمد بيتي وقمر ليلي‬
                             ‫وربيع الشيب والعمر اللي‬          ‫من ذهب وجواهر‪ ،‬وفي‬
   ‫وقد لاقت هذه القصيدة‬                                      ‫العراق عمل مظفر معل ًما‬
‫استحسا ًنا وتفاع ًل واس ًعا‬                    ‫جنيتة‪،‬‬
                               ‫جيت اهزك يا عمد بيتي‬                 ‫بإحدى المدارس‪.‬‬
    ‫معها‪ ،‬حيث تسببت في‬        ‫يكون الدهر ظعظع عظم‬               ‫في عام ‪ 1963‬اضطر‬
 ‫امتناع ‪ %90‬من السجناء‬                                         ‫إلى مغادرة العراق بعد‬
                                          ‫منك للخيانه‬         ‫اشتداد التنافس الدامي‬
     ‫السياسيين عن تقديم‬          ‫وساومت جرحك على‬           ‫بين القوميين والشيوعيين‬
‫البراءة لحزب البعث‪ ،‬لذلك‬                                     ‫الذين خضعوا للملاحقة‬
 ‫حكمت المحكمة العسكرية‬                 ‫الخسة وخفيته‬             ‫والمراقبة الشديدة من‬
                             ‫يا ابني خلي الجرح ينظف‬           ‫النظام‪ ،‬فكان هروبه إلى‬
    ‫على مظفر بالإعدام‪ ،‬إلا‬   ‫خليه يرعف‪ ،‬خليه ينزف‬           ‫إيران عن طريق البصرة‪،‬‬
  ‫أن المساعي الحميدة التي‬                                 ‫إلا أن المخابرات الإيرانية في‬
                                    ‫با ابني الجرح اللي‬     ‫تلك الفترة (السافاك) ألقت‬
   ‫بذلها أهله وأقاربة أدت‬               ‫يرفض شداده‬        ‫القبض علية وهو في طريقه‬
     ‫إلى تخفيف الحكم إلى‬                                      ‫إلى روسيا حيث أُخضع‬
                                    ‫علم الثوار يرفرف‬       ‫للتحقيق‪ ،‬وفي ‪ 28‬ديسمبر‬
‫السجن المؤبد‪ ،‬وقد أمضى‬        ‫يا ابني لبن القلب يرضع‬        ‫سلمتة السلطات الإيرانية‬
     ‫فترة في سجن يسمي‬                                             ‫إلى الأمن السياسي‬
     ‫«نقرة السمان» قريب‬                     ‫من حليبي‬       ‫العراقي‪ ،‬كان معروف عن‬
    ‫من الحدود السعودية‬          ‫ولا ابن يشمر لي خبزه‬        ‫مظفر معارضتة الشديدة‬
     ‫العراقية‪ ،‬ثم انتقل إلى‬                                ‫لحكم البعث بسبب قصيدة‬
                                            ‫من البراءة‬    ‫كتبها عنوانها «البراءة»‪ ،‬فقد‬
   ‫سجن الحلة المركزي في‬        ‫وعلى لسان أخت السجين‬          ‫أثارت الرأي العام وقتها‬
‫الجنوب‪ ،‬وهناك قام مظفر‬          ‫التي اعتبرت هذة البراءة‬     ‫واعتبرت بمثابة تحريض‬
                                                                 ‫للسجناء السياسيين‬
   ‫ومجموعة من السجناء‬            ‫التي تنشر في صفحات‬            ‫على عدم تقديم البراءة‬
‫بحفر نفق يؤدي إلى خارج‬              ‫الجريدة بمثابة هتك‬     ‫للحاكم‪ ،‬حيث كان السجين‬
‫أسوار السجن‪ ،‬وتمكن من‬                                        ‫السياسي في ذلك الوقت‬
 ‫الفرار‪ ،‬وقد أحدث هروبة‬        ‫لعرضها من أخيها‪ ،‬وتعد‬        ‫يكتب براءته بنفسه معلنًا‬
‫مع رفاقه ضجة مدوية في‬          ‫قصيدة البراءة من الشعر‬        ‫ولاءه للنظام وتبرؤه من‬
                              ‫العامي أو الشعر الشعبي‪،‬‬         ‫أي معارضة‪ ،‬وكان يتم‬
            ‫أرجاء العراق‪.‬‬     ‫وقد استخدم فيها الشاعر‬       ‫نشر هذة البراءات تباعا في‬
     ‫توارى عن الانظار في‬
‫بغداد ثم توجة إلى الأهواز‪،‬‬        ‫صو ًرا جمالية أضافت‬
 ‫وفي عام ‪ 1969‬صدر عفو‬           ‫زخ ًما وفي ًضا بتشبيهات‬
    ‫رئاسي عن المعارضين‬        ‫بلاغية مؤثرة‪ ،‬واتجه فيها‬
     ‫السياسيين فرجع إلى‬         ‫إلى ما يشبه الشعر الحر‬
  ‫سلك التعليم مرة أخرى‪،‬‬        ‫في الشعر الفصيح‪ ،‬وكان‬
 ‫ثم غادر بغداد إلى بيروت‬
    ‫ومن ثم إلى دمشق ثم‬             ‫موف ًقا عندما استخدم‬
   ‫القاهرة وأريتريا‪ ،‬فليبيا‬      ‫حسن التقسيم في قوله‬
                                ‫(عمد بيتي) و(قمر ليلي)‬
   236   237   238   239   240   241   242   243   244   245   246