Page 252 - merit 47
P. 252

‫والإسلامي عق ًل مستقي ًل‪ .‬وفقدنا‬
    ‫كل طريق وكل أداة للمعرفة‪.‬‬

    ‫كثيرون من الباحثين‬                             ‫علي مبروك‬                        ‫جورج طرابيشي‬
        ‫والمهتمين بالشأن‬
                                  ‫فكرية وحزبية وتنظيمية‪ .‬لكننا في‬      ‫وفي المحيط الذي يتكلم‬
    ‫الديني في مصر –وأنا‬           ‫الحقيقة ‪-‬ومهما تعددت واختلفت‬         ‫العربية بشكل عام‪ ..‬في‬
   ‫كنت أحدهم‪ -‬يرجعون‬                                                ‫رأيك‪ :‬أين الحدود الفاصلة‬
 ‫انتشار جماعات التطرف‬                   ‫ايديولوجياتنا السياسية في‬      ‫بين الديني والسياسي‬
                                   ‫الظاهر‪ -‬كلنا أصوليون سلفيون‬         ‫في مجتمعاتنا؟ أي‪ :‬أين‬
      ‫الديني في مصر منذ‬             ‫حرفيون‪ .‬نؤمن بأيديولوجياتنا‬        ‫ينتهي السياسي ويبدأ‬
 ‫منتصف السبعينيات من‬                 ‫ونتبعها كنصوص دينية منزلة‬
  ‫القرن العشرين؛ إلى نقل‬                                                   ‫الديني‪ ..‬والعكس؟‬
 ‫الوهابية من الخليج عبر‬                   ‫ونفهمها بشكل حرفي‪ ،‬لا‬
                                   ‫نستخدمها كفروض نظرية قابلة‬            ‫اخشى القول بأنه ليس لدينا‬
   ‫العاملين فيه‪ ،‬لكنني –‬                                                ‫في مصر والعالم العربي عقل‬
   ‫ببعض التأمل‪ -‬وجدت‬                    ‫للتعديل والدحض لتساعدنا‬     ‫سياسي أو حياة سياسية بالمعنى‬
 ‫أن هذه الجماعات نتجت‬                     ‫على فهم واقعنا وسياقاته‬
  ‫عن تديين عميق في بناء‬                                                   ‫الحقيقي‪ .‬كل ما في حوزتنا‬
‫الشخصية المصرية‪ ،‬أيهما‬             ‫وتاريخنا وسياقاته وعلى صناعة‬         ‫حقيقة هو الدين والتصورات‬
 ‫تسبب في وجود الآخر في‬                   ‫مستقبلنا وسياقاته كهدف‬          ‫الدينية التي تتشكل بأشكال‬
                                        ‫معرفي واجتماعي وإنساني‬      ‫كثيرة خادعة في الفكر والسياسة‪.‬‬
                   ‫رأيك؟‬                ‫نهائي (غاية)‪ .‬بد ًل من ذلك‬  ‫ولكي أوضح فكرتي ألجأ إلى أداة‬
                                                                     ‫منهجية استخدمها بعمق وكفاءة‬
   ‫رأيي أن هذه الظاهرة لا يمكن‬      ‫نقابل ليبرالي أصولي وماركسي‬     ‫المفكر الراحل د‪.‬علي مبروك‪ ،‬وهي‬
‫تفسيرها بدون المرور على السؤال‬    ‫أصولي واشتراكي أصولي وقومي‬          ‫التفرقة بين البنية الأيديولوجية‬
‫الشعري التليد «هل غادر الشعراء‬                                       ‫الطافية والمراوغة والبنية الثقافية‬
                                    ‫أصولي ووسطي أصولي كذلك!‬              ‫القارة العميقة‪ .‬على المستوى‬
     ‫من متردم؟»‪ ،‬وعلى المستوى‬     ‫لقد رفعت الأصولية الدينية رايات‬    ‫الأول الظاهري نحن كسياسيين‬
      ‫الثقافي التاريخي‪ :‬هل فارق‬                                       ‫ليبراليين ويساريين ووسطيين‬
  ‫العقل والثقافة العربية قرونهما‬    ‫انتصارها على العقل السياسي‪،‬‬       ‫بكل ما تحتويه تلك التخطيطات‬
     ‫الوسطى؟ والقرون الوسطى‬          ‫وهيمنت عليه مثلما هيمنت على‬
 ‫هنا مقصود بها معارف وأدوات‬                                                 ‫العريضة للأيديولوجيات‬
 ‫ومناهج الموروث الفكري الديني‬          ‫كل مجالات نشاطنا البشري‬        ‫السياسية من أطياف وتنويعات‬
 ‫العربي في التفكير وإدراك العالم‬     ‫الاجتماعي الأخرى‪ .‬وأصبحت‬
    ‫بظواهره وقوانينه وسياقاته‪.‬‬    ‫منطلقاتنا جمي ًعا منطلقات أصولية‬
‫إجابتي هي أن الشعراء لا يزالون‬
 ‫يضعون قد ًما واحدة فقط خارج‬           ‫غبية وتكفيرية تتوهم ملكية‬
‫«متردم»‪ ،‬بينما عقولهم وأرواحهم‬        ‫الحقائق المطلقة‪ .‬وكما وصف‬
‫وإدراكهم كله غارق في «متردمنا»‬     ‫المفكر السوري جورج طرابيشي‬
  ‫بعيد الأغوار الذي لم يعد يشبه‬   ‫الوضع مح ًّقا أصبح العقل العربي‬
   247   248   249   250   251   252   253   254   255   256   257