Page 254 - merit 47
P. 254

‫عبد الله رشدي الذي لا‬                                    ‫العـدد ‪47‬‬                          ‫‪252‬‬
 ‫يقل انتشا ًرا بين الشباب‬
  ‫والنساء خصو ًصا‪ ..‬هل‬                                                     ‫نوفمبر ‪٢٠٢2‬‬              ‫للدعاة‪ ..‬إلخ؟‬

     ‫هذه ظاهرة دينية أم‬              ‫في المجتمع السعودي بالذات من‬                          ‫رأيي بناء على التصور المرتبط‬
 ‫سياسية في رأيك؟ وكيف‬                ‫تغييرات عميقة منذ عدة سنوات‬                            ‫بوضع مؤسساتنا المرحلي من‬
                                   ‫دليل على إخفاق الوهابيين المحتوم‬                        ‫عملية التحديث الشاملة؛ هو أن‬
                ‫تفسرها؟‬            ‫في قولبة المجتمع السعودي وعزله‬                          ‫مصر واقعة في مأزق تاريخي‬
                                     ‫عن العالم وعن الواقع وحركته‪،‬‬                        ‫بين الماضي والحاضر‪ ،‬بالتحديد‬
     ‫رأيي أنها ظاهرة استهلاكية‬                                                              ‫في شباك التصور «الوسطي»‬
   ‫في بعدها الأهم‪ ،‬وأننا لن نتفهم‬               ‫عن مجرى التاريخ‪.‬‬                         ‫الوهمي الذي يفترض أن بإمكان‬
  ‫مغزاها الديني والسياسي فه ًما‬     ‫ومع ذلك لا بد من أخذ عنصرين‬                             ‫مجتمع بأكمله وعن بكرة أبيه‬
 ‫واقعيًّا بدون بعدها الاستهلاكي‪.‬‬                                                           ‫وبكل تنوعه البشري والطبقي‬
  ‫الدين تحول في مصر منذ حقبة‬            ‫مهمين في الاعتبار‪ :‬الأول أن‬                         ‫والعرقي والفكري والسياسي‬
   ‫السبعينيات وفي إطار ما سمي‬          ‫التنوع والتعددية المجتمعية لا‬                         ‫وغيره‪ ،‬في وسع هذا المجتمع‬
  ‫وقتها «الصحوة الاسلامية» إلى‬       ‫تنفي وحدة وتماسك المجتمعات‬
  ‫مادة للاستهلاك اليومي‪ .‬أصبح‬                                                                ‫المتعدد أن يتبنى فك ًرا واح ًدا‬
  ‫سلعة متداولة على كل الأصعدة‬            ‫طب ًقا لأسس ومبادئ وحدة‬                        ‫وسطيًّا جام ًعا مان ًعا نهائيًّا أساسه‬
   ‫وعلى رأسها الصعيد الإعلامي‪.‬‬            ‫المجتمعات الحديثة‪ :‬مبادئ‬
                                         ‫الوطنية والمواطنة والانتماء‬                          ‫الأصولي هو ملكية الثوابت‬
     ‫وبدون حرج يبدو لي بشكل‬        ‫الوطني‪ ،‬المصلحة العامة والمساواة‬                       ‫والحقائق المطلقة‪ .‬في الواقع هو‬
     ‫واضح أن الإسلام تخلى عن‬            ‫والحقوق والحريات الفردية‬                        ‫نوع من الجمود التاريخي والغباء‬
 ‫مقعد قداسته الدينيه وقرر نزول‬      ‫وسيادة القانون‪ ..‬إلخ‪ .‬ويستحيل‬                         ‫النادر وحسب‪ .‬لأنه ليس بوسع‬
   ‫الشارع‪ ،‬أو أننا قررنا نحن أن‬    ‫‪-‬أقصد يستحيل استحالة مطلقة‪-‬‬                            ‫مجتمع أن يتحول إلى قطيع من‬
   ‫نفعل به ذلك‪ .‬كمجتمع مصري‬             ‫إدماج عناصر دينية وثقافية‬
  ‫ومجتمعات عربية نحن نستهلك‬          ‫متغيرة ضمن المباديء المؤسسة‬                            ‫القوالب والمستنسخات‪ .‬وهذا‬
  ‫الإسلام منذ نصف قرن تقريبًا‪،‬‬        ‫لوحدة المجتمع الحديث‪ .‬هذا ما‬                      ‫الجمود والغباء في نظرتنا لأنفسنا‬
‫ونتبارى في تقليبه على كل جوانب‬     ‫نحاول أن نفعله في مصر وسوف‬
      ‫وأشكال وألوان الاستهلاك‪.‬‬       ‫نفشل فيه مثلما فشل فيه غيرنا‬                         ‫و»هويتنا» كان لا بد أن ينعكس‬
‫ونستنفذ على مهل كل الاحتمالات‬      ‫ومن بينهم الأتراك والسعوديون‪.‬‬                                    ‫على نظرتنا للآخرين‪.‬‬
 ‫الممكنة لاستهلاكه كمنتج تقليدي‬      ‫وعندما نكتشف فشلهم وفشلنا‬
‫لا يقبل التطوير‪ .‬كما لو كنا نعتبر‬         ‫في تحقيق «الأعجوبة» غير‬                         ‫فمن يقول إن المجتمع السعودي‬
     ‫الإسلام بشكله التراثي عملة‬    ‫التاريخية في العودة بعجلة الزمن‬                      ‫وهابي هم الأصوليون الوهابيون‬
‫أصلية ليست مزيفة‪ .‬وما يجب أن‬        ‫سوف نخرج من مأزقنا الراهن‪.‬‬
‫يحدث في هذه الحالة هو ما يحدث‬                                                                 ‫فقط‪ .‬ومن يزعم أن المجتمع‬
  ‫فع ًل‪ ،‬وهو أننا نكتشف تدريجيًّا‬         ‫منذ أيام كتبت على‬                                ‫التركي حنفي (!!) هم أصوليو‬
  ‫وببطء وعبر تكرار التداول الممل‬      ‫صفحتي أن فيديوهات‬                                  ‫أردوجان وحسب‪ .‬لأن المجتمعين‬
      ‫والطويل أن المنتج يستهلك‪،‬‬      ‫عبد الله الشريف تحصد‬                                  ‫التركي والسعودي ‪-‬والمصري‬
   ‫وأن لكل منتج استهلاكي عمر‬           ‫أكثر من أربعة ملايين‬                               ‫بالطبع‪ -‬كلها مجتمعات بشرية‪،‬‬
    ‫افتراضي‪ ،‬وأن كل منتج يهلك‬      ‫مشاهدة في يوم أو يومين‪،‬‬                                 ‫وبما أنها كذلك فهي مجتمعات‬
‫حسب القانون حتى ورق ونحاس‬           ‫أي أنه وحده يتفوق على‬                                ‫متحركة ومتغيرة الفكر والثقافة‪.‬‬
                                        ‫كل مقدمي البرامج في‬                             ‫لا تعرف ويستحيل أن تعرف غير‬
                                     ‫الإعلام الرسمي‪ ،‬الديني‬                             ‫حيوية التنوع والتجدد باستمرار‪.‬‬
                                    ‫والسياسي‪ ،‬ولدينا أي ًضا‬
                                                                                              ‫نظرة صحيحة متحررة من‬
                                                                                               ‫الزيوف والأوهام الفكرية‬

                                                                                        ‫والأيديولوجية لأي مجتمع سوف‬
                                                                                         ‫تجعلنا نكتشف ذلك‪ .‬وما يجري‬
   249   250   251   252   253   254   255   256   257   258   259