Page 33 - merit 47
P. 33

‫‪31‬‬             ‫إبداع ومبدعون‬

               ‫رؤى نقدية‬

                                                                      ‫في طوافها على معارفها من‬

                                                                      ‫دموع إلى دموع حتى‬

                                                                      ‫تورمت عيناها‪ ،‬فأسر‬

                                                                      ‫لها شيمون محت ًّدا وهو‬
                                                                      ‫يرى حالتها بأنه ندم‬

                                                                      ‫على الساعة التي فكر‬

                                                                      ‫فيها في المجيء‪ .‬حدثه‬

                                                                      ‫الرجال عن أولئك الذين‬

                                                                      ‫يزورنهم ويأمرونهم‬

                                                                      ‫بالاستعداد للرحيل كانوا‬

                                                                      ‫ضائعين»(‪.)20‬‬

                                                                      ‫ألم يقل له الحكيم بن‬

                                                                      ‫دودو عقب حوار ساخن‬

                                                                      ‫بينهما‪« :‬إنك في قلب‬

                                                                      ‫حركة عمياء وستعرف‬

‫جاستون باشلار‬  ‫محمد عمارة‬                          ‫محمد عابد الجابري‬   ‫هذا في وقت ما»؟ قد‬
                                                                      ‫يرحل إلى هناك‪ ،‬حيث‬

                                                   ‫الأرض الموعودة‪ ،‬لكنه لن يكون في أرضه‪ ،‬لن‬
                                                   ‫يعيش مطمئنًّا‪ ،‬سيكون مثل أمومة زوجته إيزا لتلك‬
   ‫يواجه فيها المختلف عنه‪ ،‬فيعود لذاته ولجماعته‬
     ‫وقوميته‪ ،‬فطفحت الهوية الوطنية قوية محملة‬      ‫الطفلة التي تبنَّتها بعد أن تنازلت عنها مكرهة أمها‬
     ‫بسلاح الثورة والوطنية والوحدة والإحساس‬
     ‫بضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية ضد كل‬        ‫الحقيقية‪ ،‬ضحية نزوات ابن عمها؛ على الرغم من‬
 ‫مستعمر يطمح للسيطرة على خيراتها وأهلها‪ ،‬رغم‬
                                                   ‫أنها قد ح َّصنت أمومتها لـ»شميحة» بكل الوثائق‬
                      ‫كل التحديات والصعوبات‪.‬‬       ‫الضرورية‪ ،‬وا َّدعت أمام الجميع أنها هي من حملت‬
‫تحضر ثنائية الأنا والأخر في رواية «زغاريد الموت»‬   ‫بها ووضعتها‪ ،‬فإنها كانت «تدرك بعمق أن هناك‬

   ‫لعبد الكريم جويطي من خلال الحديث عن حقبة‬        ‫شاه ًدا مضا ًّدا يتهدد شواهد[ها] التي لا تدحض‪:‬‬
   ‫تاريخية مهمة في تاريخ المغرب‪ ،‬تتمثل في مرحلة‬    ‫قلب الأم الحقيقية لشميحة‪ .‬وطالما بقيت في القبيلة‬
 ‫الاستعمار الفرنسي للمغرب وما حمله من مقاومة‬
  ‫وتضحية في سبيل تحقيق الاستقلال والدفاع عل‬        ‫فإنها ستعيش عذاب الإحساس بأن هناك داخل‬
  ‫كل حبة رمل فيه‪ ،‬وقد خص السارد بالحديث عن‬
                                                   ‫أحد بيوت القبيلة قلبًا ينازعها في حق تملكها البنت‪.‬‬
     ‫تفاصيل معركة حازمة مع المستعمر الفرنسي‬             ‫أمومتها هشة‪ ،‬مه َّددة‪ ،‬آثمة‪ ،‬ولن تصمد كثي ًرا‬
   ‫في الفصل المعنون بـ»الحملة والناموس»‪ ،‬عرض‬       ‫لإعصار الأمومة الأخرى إذا أعلنت عن نفسها غدت‬

     ‫لنا السارد أجواء المعركة وركز فيها على إبراز‬                     ‫أكتر إجها ًدا وحز ًنا»(‪.)21‬‬
   ‫الآخر (المستعمر الفرنسي) واستعداده للمعركة‪،‬‬
  ‫ووصف تأهب الكولونيل واستعداده للقبض على‬          ‫‪ -3‬هوية المكان وثنائية الأنا والأخر في‬
                                                          ‫الرواية «زغاريد الموت»‬
      ‫المدينة وتطويقها من كل مكان‪ .‬يقول السارد‪:‬‬
 ‫«رأى الكولونيل بمنظاره قصبة بني ملال والقصر‬          ‫ظل سؤال الهوية يؤرق الإنسان منذ القدم‪ ،‬فزاد‬
‫الرابض فوقها كفلك سيدنا نوح‪ ،‬ثم أمكنه أن يتبين‬     ‫من مأزق السؤال احتكاك الأنا بالآخر‪ ،‬الذي أضحى‬

                                                    ‫يهدد وجوده حين زحف إلى الشرق مستعم ًرا‪ .‬فلا‬
                                                      ‫يدرك الإنسان جوهر هويته إلا في لحظة تأزمه‪،‬‬
   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38