Page 145 - merit 45
P. 145

‫‪143‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

  ‫واستنكار قتل الآخرين حتى لو‬      ‫وعرفت عبادة الأصنام والرضوخ‬         ‫عن نوع من «الكهنوت المستحدث»‬
  ‫كان المقتول كاف ًرا‪ ،‬يتجه بسرعة‬   ‫للعواطف والتبرج‪ ،‬وبين جاهلية‬         ‫في عالم التدين المعاصر‪ ،‬وأعني‬
‫واعتيادية إلى ما يشبه الاستدراك‬     ‫القرن العشرين التي هي جاهلية‬
                                   ‫يضيع فيها الإنسان باسم التقدم‬       ‫بذلك وجود فئة ممن يطلق عليهم‬
     ‫على ذلك كله‪« :‬فيربط حديثه‬          ‫والتطور والحضارة والمدنية‬        ‫الدعاة أو رجال الدين‪ ،‬ينصبون‬
  ‫بالحديث عن الغرب و»اليهود»‪،‬‬                             ‫والعلم»!‬     ‫من أنفسهم سدنة للمعرفة بالدين‬
‫ويضع المشكلة في إطار عام لتأكيد‬        ‫وفي مقابلته بين «عالم الحق»‬     ‫وخباياه الغامضة التي لا يستطيع‬
‫أنهما (الغرب واليهود) هما اللذان‬       ‫و»عالم الباطل» يلحظ د‪.‬أحمد‬
  ‫لا يريدان السلام‪ .‬فالغرب يدعو‬       ‫زايد أنهما عند الإمام الأزهري‬         ‫أحد غيرهم أن يفك رموزها‪.‬‬
                                      ‫لا يعكسان التقابل بين الحياة‬      ‫وأحسب أن هذا الكهنوت الجديد‬
     ‫إلى السلام لكنه لا يؤمن به‪:‬‬       ‫الدنيا والحياة الآخرة‪ ،‬لكنهما‬
       ‫الغرب يكفر بالسلام وإنما‬     ‫يعكسان التقابل بين عالم النخبة‬         ‫هو ضرب من الأبوية‪ .‬أو هو‬
        ‫بسلامه الموهوم يسهوينا‬         ‫الدينية ‪-‬أي الأئمة الأزهريين‬       ‫ارتحال لقيمة الأبوية الضاربة‬
  ‫الغرب يحمل خنج ًرا ورصاصة‬           ‫ذاتهم‪ -‬الأكثر معرفة والأنقى‬      ‫بجذورها في الثقافة العربية‪ ،‬وهي‬
       ‫فعلا يحمل مؤمن زيتونا»‬      ‫دينيًّا‪ ،‬وبين عالم المجتمع الأوسع‬   ‫أبوية انعكست في تراث طويل من‬
   ‫ولا يتوانى الإمام عن الإشارة‬         ‫الذي يصلون إلى حد اتهامه‬       ‫التعالي كأيديولوجية لإعادة إنتاج‬
   ‫إلى طريق الخروج من «السلام‬        ‫بالجاهلية‪ ،‬ويؤكد الباحث‪« :‬هنا‬
    ‫المزيف» بإعلان الجهاد فو ًرا‪:‬‬  ‫يظهر التماس الكبير بين الخطاب‬              ‫سلطة النصوص الدينية»‪.‬‬
  ‫«أقول إننا نستبشر الخير ولكن‬       ‫الديني الذي نتلقاه صباح مساء‬      ‫فهل أتاكم من هذا التحليل البحثي‬
‫بشرط‪ :‬أن تعلن الأمة الآن الجهاد‬    ‫وبين خطاب المتشددين المتطرفين‬
   ‫في سبيل الله وسيهزم اليهود‪..‬‬    ‫الذين يغالون في دينهم‪ ،‬ويقسون‬          ‫نبأ «رجل الدين» وما يمكن أن‬
  ‫لا أقول ذلك رج ًما بالغيب‪ ..‬ولا‬      ‫على مجتمعاتهم»‪ ،‬ثم يتساءل‪:‬‬       ‫يفعله يا د‪.‬مايا مرسي؟! ولنذهب‬
 ‫من ضغط الواقع المرير‪ ..‬ولا من‬        ‫«فهل لنا أن نعتبر أن الخطاب‬
   ‫باب الأحلام‪ ..‬ولكن من منطلق‬     ‫الديني العادي الذي نتلقاه صباح‬                               ‫لأبعد‪.‬‬
                                    ‫مساء يعد أحد الروافد الأساسية‬
              ‫الحقائق الربانية»‪.‬‬        ‫للتشدد والتطرف أي ًضا»‪ .‬لا‬      ‫إسلام سياسي أزهري‬
         ‫وعن «تخصيص مجتمع‬              ‫يضع الباحث علامة استفهام‬
   ‫المسلمين» ‪-‬أي طائفية الخطاب‬        ‫لأن الظاهر أننا لسنا في حاجة‬     ‫كثيرة هي القواسم المشتركة التي‬
‫الأزهري‪ -‬يقول د‪.‬زايد‪“ :‬يتوازى‬       ‫لتساؤل كهذا فالحقائق واضحة‪.‬‬         ‫ترصدها دراسة «صوت الإمام»‬
 ‫مع التأكيد بشكل مستمر على أن‬           ‫ومن أظهر تلك الحقائق التي‬
   ‫المجتمع الذي يعيش فيه الناس‬         ‫تنطوي عليها الدراسة القيِّمة‬       ‫بين تطرف الخطباء الرسميين‬
  ‫هو مجتمع إسلامي بحكم الدين‬          ‫هذا التحليل الذي تقدمه لقيمة‬          ‫الأزهريين وتطرف جماعات‬
 ‫واللغة والتاريخ والهوية‪ ،‬التأكيد‬   ‫«السلام» في خطاب الدعاة‪ ،‬وهو‬
  ‫على أن الانتماء في الأصل انتماء‬       ‫ما يلقي ضو ًءا مخي ًفا على ما‬    ‫الإسلام السياسي‪ ،‬وعلى رأسها‬
‫للدين‪ .‬وهنا يغيب مفهوم المواطنة‪،‬‬    ‫يعتبره البعض «مواجهة أزهرية‬           ‫اتهام المجتمع بالبعد عن الدين‬
  ‫كما يغيب مفهوم المدنية‪ ،‬ويغيب‬       ‫للإرهاب»‪ .‬إذ يؤكد الباحث أن‬            ‫والارتماء في أحضان البدع‬
    ‫معها مفهوم الدولة الوطنية”‪.‬‬    ‫الإمام في تأكيده على قيمة السلام‬
   ‫فهل قدم هذا العرض المختصر‬             ‫وحرمة الدماء وكف الأذى‬          ‫ومظاهر الغزو الثقافي والتغريب‬
   ‫إجابات بخصوص ما يمكن أن‬           ‫والاعتداء على الحرمات والدماء‬          ‫والفساد‪ ،‬مرو ًرا بنقد التدين‬
 ‫يفعله أو لا يفعله رجل الدين على‬                                           ‫الروحاني الذي يقف عند حد‬
 ‫حد تعبير رئيسة المجلس القومي‬
                                                                         ‫العبادات الذي «يولي فيه الناس‬
                        ‫للمرأة؟‬                                          ‫وجوههم بعي ًدا عن كتاب الله»!‪،‬‬

                                                                            ‫ووصو ًل إلى التحليل القطبي‬
                                                                           ‫الشهير (نسبة لمفكر الإخوان‬
                                                                       ‫التكفيري سيد قطب)‪« :‬فالجاهلية‬
                                                                          ‫ليست حالة تاريخية تشير إلى‬
                                                                       ‫مجتمع بعينه‪ ،‬بل هي حالة ذهنية‬
                                                                        ‫وعقدية‪ ،‬وثمة فرق بين الجاهلية‬
                                                                        ‫الأولى التي سادت قبل الإسلام‪،‬‬
   140   141   142   143   144   145   146   147   148   149   150