Page 178 - merit 45
P. 178

‫العـدد ‪45‬‬                             ‫‪176‬‬

                                ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬                          ‫في المجتمع الإنساني في‬
                                                                 ‫عصر «ما بعد الحداثة»‪ ،‬كما‬
  ‫هذه الرسائل نجدها تتباين‬         ‫لها‪ ،‬فشبه شعبيتها يتلاءم‬
  ‫ما بين الديني‪ ،‬وهو الأكثر‬       ‫مع طبيعة الظواهر الثقافية‬        ‫أنها تتساوق مع الوضعية‬
   ‫انتشا ًرا في هذه الرسائل‪،‬‬                                       ‫الخاصة لنمط من مركبات‬
                                      ‫التي اهتم النقد الثقافي‬       ‫النقل الذي يطلق عليه في‬
       ‫إضافة إلى الاجتماعي‬          ‫بدراستها؛ فالنقد الثقافي‬       ‫مصر اسم «التوكتوك»(‪،)2‬‬
        ‫والنفسي والجنسي‬            ‫في أكثر تعريفاته دقة‪ ،‬هو‬     ‫وهو نمط من المركبات النارية‬
                                   ‫نشاط معرفي وآلية قرائية‬        ‫واسعة الانتشار في البلدان‬
     ‫والفكاهي‪ ،‬وفي كل هذه‬       ‫استندت إلى تاريخ طويل من‬         ‫التي تصنف بأنها من العالم‬
    ‫التنوعات الخطابية ‪-‬عدا‬       ‫المقولات النقدية التحليلية في‬  ‫الثالث في آسيا وبعض الدول‬
‫الديني‪ -‬يبدو أن صياغة هذه‬          ‫المناهج الموسومة بالحداثة‬
  ‫الرسائل يحاول أن يضعها‬           ‫وما بعدها لقراءة الظواهر‬          ‫العربية؛ وهذا النمط من‬
     ‫في باب المثل الشعبي أو‬       ‫الثقافية غير الرسمية‪ ،‬هذه‬        ‫المركبات ينفرد دون غيره‬
  ‫الحكمة‪ ،‬سواء على مستوى‬           ‫الظواهر التي لا تقع تحت‬        ‫بوضعية شديدة الغرابة في‬
                                   ‫تصنيف الأدب في مفهومه‬        ‫المجتمع المصري‪ ،‬فهو وسيلة‬
        ‫الأسلوب أو الدلالة‪.‬‬         ‫المؤسسي‪ ،‬والنقد الثقافي‬
                                    ‫‪-‬وف ًقا لهذا المفهوم‪ -‬يعد‬        ‫نقل واسعة الانتشار في‬
 ‫تاريخانية الظاهرة‬              ‫امتدا ًدا للدراسات التي اهتمت‬      ‫الأقاليم والمناطق الشعبية‬
                                    ‫بدراسة الأنساق الثقافية‬         ‫دون ترخيص رسمي أو‬
 ‫لا تنشأ ظاهرة ما من فراغ‬           ‫في مجال الأنثروبولوجيا‬      ‫اعتراف مؤسسي‪ ،‬على الرغم‬
      ‫مطلق‪ ،‬وإنما يكون لها‬       ‫الثقافية التي اهتمت بدراسة‬         ‫من أن مؤسسات رسمية‬
     ‫بداياتها وإرهاصاتها في‬        ‫ظواهر الثقافة الجماهيرية‬      ‫هي التي سمحت باستيراده‬

  ‫تمظهرات متعددة‪ ،‬ولا شك‬               ‫والمجتمع الاستهلاكي‬             ‫ووجوده‪ ،‬فيما غضت‬
  ‫أن ظاهرة الكتابة على ظهر‬                ‫ووسائل الاتصال‬        ‫مؤسسات أخرى الطرف عن‬
 ‫المركبات تتأسس على تاريخ‬
   ‫من الممارسات الشبيهة في‬           ‫الجماهيري‪ ،‬مع اهتمام‬           ‫إعطائه صك الشرعية؛ ما‬
    ‫المجتمع المصري‪ ،‬وبغض‬            ‫خاص بالظواهر الثقافية‬       ‫يعني أنه أي ًضا «شبه» مركبة‪،‬‬
                                     ‫التي لا تحظى باعتراف‬
    ‫النظر عن الزعم المتطرف‬      ‫المؤسسات الثقافية الرسمية‪،‬‬          ‫أو «شبه» وسيلة انتقال‪.‬‬
   ‫في كونها سلوك حضاري‬               ‫مثل بعض أنماط الفنون‬         ‫وشأن كل رسالة لغوية في‬
 ‫متسرب من شغف المصري‬                 ‫الشعبية وأدب الطبقات‬        ‫تأثر بنيتها ودلالتها بطبيعة‬
   ‫التاريخي بالكتابة والنقش‬        ‫المهمشة والأقليات العرقية‬       ‫قناة الاتصال التي تحملها‬
    ‫على الجدران‪ ،‬فإن أرباب‬         ‫والاجتماعية(‪)3‬؛ وتأسي ًسا‬
   ‫الحرف وأصحاب المحلات‬         ‫على هذا فإننا نزعم أن مدونة‬          ‫فإن لافتات «التوكتوك»‬
  ‫في المجتمع المصري اعتادوا‬          ‫هذه الدراسة تقع ضمن‬         ‫تكتسب دلالات شبه خاصة‬
 ‫أن يزينوا واجهات محلاتهم‬         ‫دائرة انشغال النقد الثقافي‬
   ‫بعبارات تتلاءم مع طبيعة‬          ‫بدراسة الأنساق الثقافية‬         ‫بفضل وجودها على هذه‬
 ‫الحرفة التي يعملون بها‪ ،‬أو‬       ‫التي تثيرها بعض الظواهر‬         ‫المركبة‪ ،‬كما أنها ‪-‬شأن كل‬
‫السلعة التي يقدمونها‪ ،‬وغالبًا‬   ‫الثقافية غير الرسمية‪ ،‬ومنها‬     ‫استخدام لغوي‪ -‬تنطوي على‬
 ‫ما كانت هذه العبارات آيات‬          ‫هذه الرسائل‪ /‬اللافتات‪.‬‬
  ‫قرآنية اقتطعت من سياقها‬           ‫وإذا ما رصدنا التنوعات‬         ‫أنساق ثقافية خاصة بها‪،‬‬
 ‫النصي والدلالي لتوضع على‬           ‫الخطابية التي تحيل إليها‬     ‫تحيل إليها وتتحدد دلالاتها‬
 ‫واجهة ما؛ فعلى سبيل المثال‬
 ‫نجد ح َّدا ًدا يكتب على واجهة‬                                          ‫بفضل هذه الأنساق‪.‬‬
                                                                     ‫إن هذه الخصائص التي‬
                                                                    ‫تميز لافتات «التوكتوك»‬
                                                                  ‫تؤكد جدارة الدرس الثقافي‬
   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183