Page 179 - merit 45
P. 179

‫‪177‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

  ‫ولا شك أن هذه الصفحات‬             ‫المواضع‪ ،‬فإن هذا النمط‬            ‫محله الآية القرآنية الكريمة‪:‬‬
   ‫تمثل مرج ًعا جي ًدا للمدونة‬      ‫من التوظيف يؤشر على‬               ‫« َو َأن َز ْل َنا ا ْل َح ِدي َد ِفي ِه َب ْأ ٌس‬
   ‫يمكن اعتماده في دراستنا‬        ‫أمر في غاية الأهمية؛ يتمثل‬          ‫َش ِدي ٌد َو َم َنا ِف ُع لِل َنّا ِس»‪ ،‬أو‬
                                 ‫شقه الأول في طبيعة الدور‬             ‫نجد بائع العصير يضع على‬
                      ‫هذه‪.‬‬      ‫الوظيفي الذي يلعبه الدين في‬
                                ‫المجتمع‪ ،‬ويتمثل شقه الثاني‬            ‫عربته أو محله الآية القرآنية‬
   ‫أسلوبية المدونة‬                   ‫في العامل السيكولوجي‬             ‫الكريمة‪َ « :‬و َس َقا ُه ْم َر ُّب ُه ْم‬
   ‫وسيكولوجيتها‬                   ‫الذي يمثل الدافع لتوظيف‬             ‫نجد حلا ًقا‬  ‫( َ ِشم ََرزا ِّي ًبان) َطيُهكوت ًراب»‪،‬عألىو‬
                                 ‫الديني في غير سياقه؛ وبين‬               ‫واجهة‬
     ‫كما سبق أن أشرنا فإن‬            ‫هذا وذاك يتبدى النسق‬             ‫محله‪َ « :‬و َز َّي َنّا َها لِل َنّا ِظ ِري َن»‪،‬‬
    ‫صياغة لافتات التوكتوك‬          ‫الثقافي الحاكم ‪-‬اجتماعيًّا‬         ‫بالإضافة إلى استخدام بعض‬
     ‫غالبا ما تأتي على نفس‬        ‫وسيكولوجيًّا‪ -‬الذي يتغيا‬
     ‫النمط اللفظي السائد في‬     ‫إسباغ سمة من القدسية على‬              ‫الآيات القرآنية بشكل عام‬
    ‫صياغة الأمثال الشعبية‪،‬‬      ‫نشاط مهني أو سلعة مقدمة؛‬
     ‫من ناحية قصر العبارة‬           ‫فض ًل عن بعض الطرافة‬              ‫دون التقيد بمدى ملائمة‬
  ‫ووضوح دلالتها وإحالاتها‬           ‫التي يتسم بها استخدام‬
     ‫الرمزية؛ فالبنية اللغوية‬     ‫هذه الآيات والتي تدل على‬            ‫لفظة منها إلى طبيعة السلعة‬
‫للمثل الشعبي‪ ،‬وكذلك لافتات‬      ‫نسق ثقافي ثا ٍن فاعل وحاكم‬
    ‫التوكتوك‪ ،‬تعتمد على دقة‬      ‫في الشخصية المصرية وهو‬               ‫المبيعة مثل شيوع استخدام‬
  ‫التركيب اللغوي وإحالة كل‬
   ‫مفردة فيه إلى دلالة عامة‪،‬‬                 ‫نسق الفكاهة‪.‬‬             ‫الآية القرآنية الكريمة‪:‬‬
‫تجعل من استخدام هذا النمط‬            ‫إن هذا الوجود السابق‬             ‫« َو َكا َن َأ ُبو ُه َما َصالِ ًحا»‪.‬‬
   ‫اللغوي شديد الدلالة حين‬          ‫لظاهرة لافتات‪ /‬عبارات‬             ‫بالتوازي مع توظيف الآيات‬
   ‫يجري في سياق اجتماعي‬               ‫«التوكتوك» يؤشر على‬
   ‫محدد‪ ،‬لتظن أنه صي َغ على‬           ‫خاصية اجتماعية تكاد‬             ‫القرآنية نجد كثي ًرا من أرباب‬
  ‫هذا الموقف تحدي ًدا‪ ،‬كما أن‬    ‫تمثل مورو ًثا شعبيًّا مواز ًيا‬         ‫الحرف وأصحاب المركبات‬
 ‫إحالته الرمزية تجعله يجري‬      ‫للتمائم التي اعتاد المصريون‬
  ‫مجرى الحكمة التي تلخص‬          ‫استخدامها لطرد الحسد أو‬              ‫يلصقون في حوانيتهم أو على‬
 ‫الخبرة الاجتماعية في مقولة‬      ‫العين الشريرة‪ ،‬مثل‪ :‬الكف‪،‬‬
 ‫مكثفة‪ .‬ويعد مفهوم «الخبرة‬         ‫والخرزة الزرقاء‪ ،‬وحدوة‬             ‫مركباتهم بعض العبارات‬
    ‫الاجتماعية» أحد المفاهيم‬         ‫الحصان‪ ،‬وحذاء الطفل‬
‫الأساسية التي طرحها الناقد‬       ‫المعلق‪ ،‬وكوز الذرة الجاف‪.‬‬            ‫ذات الإحالة الدينية‪ ،‬دون‬
   ‫الثقافي البريطاني رايموند‬      ‫بيد أن مدونة هذه الدراسة‬
    ‫ويليامز في إطار مقاربته‬      ‫«لافتات التوكتوك» تكتسب‬              ‫أن تكون نصو ًصا مقتبسة‬
    ‫لمفهوم «الثقافة»؛ فمفهوم‬    ‫بع ًدا ثقافيًّا واجتماعيًّا مغاي ًرا‬  ‫من القرآن الكريم‪ ،‬نحو أن‬
     ‫«الخبرة الاجتماعية» أو‬          ‫حين تكون مؤلف ًة كلي ًة‪،‬‬
    ‫الخبرة الحياتية ‪-‬حسب‬          ‫وبخاص ٍة أنها أصبحت من‬              ‫يضع صانع المفاتيح عبارة‬
  ‫ويليامز‪ -‬يعد مراد ًفا لبنية‬     ‫الشيوع إلى الحد الذي نجد‬
 ‫الشعور‪ ،‬إذ اعتبر أن الخبرة‬     ‫معه بعض صفحات الإنترنت‬                ‫«الصبر مفتاح الفرج»‪ ،‬أو‬
  ‫الاجتماعية جز ٌء من حركة‬       ‫التي تجمع هذه العبارات(‪،)4‬‬
                                                                      ‫أن يلصق أحد السائقين‬

                                                                      ‫عبارة «صلي على الحبيب»‬

                                                                      ‫أو «حبيبي يا رسول الله» أو‬

                                                                      ‫«يقيني بالله يقيني»؛ وبغض‬

                                                                      ‫النظر عن بعض الأخطاء‬

                                                                      ‫اللغوية الفادحة التي تتميز‬

                                                                      ‫بها هذه الكتابات (على سبيل‬
                                                                      ‫المثال‪ :‬صلي وليس ص ِّل)‪ ،‬أو‬

                                                                      ‫أن ُيكتب لفظ الجلالة بالتاء‬
                                                                         ‫المربوطة بد ًل من الهاء؛‬

                                                                      ‫ودون التطرق‪ ،‬كذلك‪ ،‬لمدى‬

                                                                      ‫مشروعية توظيف الآيات‬

                                                                      ‫القرآنية الكريمة في مثل هذه‬
   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183   184