Page 199 - merit 45
P. 199

‫‪197‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

      ‫والعدة وما إلى ذلك‪،‬‬               ‫صلاح جاهين‬        ‫تشكك ف َّي حينها خدمة عظيمة‬
   ‫من جملة تلك الترددات‬                                      ‫من حيث لا يدري؛ فالمكان‬
 ‫الجمة‪ ،‬كان وجود التكاتك‬      ‫الجانبية‪ ،‬كهامش يسير في‬          ‫مزدحم وصاخب لا حد‬
  ‫يتضخم ويستفحل حتى‬              ‫هوامش‪ ،‬أنا من أسميته‬
  ‫رسخ رسو ًخا هائ ًل على‬          ‫«الخنفساء» كما مرت‬       ‫للصراع فيه‪ ،‬ومن يتحولون‬
‫الأرض وصار من الصعب‬               ‫التسمية؛ فلونه الغالب‬     ‫إلى الفحص ينتهون سري ًعا‬
   ‫انتزاعه دفعة واحدة أو‬        ‫أسود كلونها‪ ،‬وإذا كانت‬      ‫على عكس الآخرين‪ ،‬ومهما‬
                                ‫الخنفساء حشرة كريهة‬       ‫تكن من إهانة فإن من يعرف‬
        ‫حتى شيئًا فشيئًا!‬                                   ‫البيروقراطية في بلادنا فإن‬
  ‫التوكتوك أكثر ذيو ًعا في‬    ‫الرائحة‪ ،‬كما تقول المعاجم‬   ‫أكبر أمنياته أن يغادر مكاتبها‬
   ‫القاهرة منه في الأقاليم‪،‬‬     ‫اللغوية‪ ،‬فآثار التوكتوك‪،‬‬   ‫عاج ًل وبأقل أضرار ممكنة‪،‬‬
                                                            ‫جسمية أو نفسية‪ ،‬وهو ما‬
    ‫بحكم اتساع العاصمة‬            ‫والجمع تكاتك‪ ،‬كريهة‬      ‫جرى لي فعليًّا يومذاك‪ ،‬فظل‬
   ‫وفوضاها للأسف‪ ،‬وقد‬        ‫بالمثل‪ ،‬في بعض تجلياته على‬    ‫اليوم محفو ًرا في في ذاكرتي‬
    ‫كان في البداية حري ًصا‬
   ‫على هامشه حتى توغل‬           ‫الأقل‪ ،‬وقد سبب ظهوره‬                       ‫بكل عقده!‬
                               ‫أزمات قانونية واجتماعية‬         ‫كثي ًرا ما كان سائق من‬
       ‫وبرز على الأسفلت‬                                     ‫السائقين يسألني عن رأيي‬
     ‫الرئيسي كبروزه على‬           ‫وأمنية كبيرة‪ ،‬تفاقمت‬        ‫في عبارة يود كتابتها على‬
      ‫الأرض الداخلية غير‬           ‫بانتشاره التدريجي‪،‬‬         ‫التوكتوك أو استيكر يود‬
   ‫الممهدة‪ ،‬يخاف سائقوه‬          ‫ومن تردد الحكومة في‬            ‫لصقه‪ ،‬لم أكن أدقق في‬
    ‫من الغرامات المرورية‪،‬‬     ‫إلغائه‪ ،‬بعد أن اعتاد الناس‬       ‫الحقيقة‪ ،‬وغالبًا ما كنت‬
‫لكنهم يتجاسرون مع ذلك‬          ‫وجوده واعتمدوا عليه في‬        ‫أوافق‪ ،‬لكنني انفتحت على‬
   ‫ويخترقون الآفاق كلها‪،‬‬         ‫مشاويرهم‪ ،‬إلى ترددها‬           ‫هذا العالم أكثر مما قد‬
 ‫وقلَّما يجدون راد ًعا‪ ،‬فهم‬   ‫في استبدال مواصلة أرقى‬           ‫يكون غيري‪ ،‬من أمثالي‪،‬‬
 ‫صداع مرعب كما يعلمون‬           ‫به لما في ذلك من التكلفة‬    ‫انفتح عليه‪ ،‬وقبضت أبعاده‬
   ‫أنفسهم‪ ،‬والمروريون لا‬          ‫العالية‪ ،‬إلى ترددها في‬
     ‫يحبون صدا ًعا مره ًقا‬    ‫ضبط أحواله لأن لكل فعل‬                ‫وحصدت خوافيه‪.‬‬
      ‫كمثله حتى لو كانوا‬        ‫ما يتطلبه من المسؤولية‬         ‫ظهر التوكتوك في مصر‬
     ‫يحبون التضييق على‬        ‫التي قد لا يتوفر لها العدد‬     ‫في نهايات ‪ 2005‬كما هو‬
‫السائقين وتغريمهم بشكل‬                                        ‫معروف‪ ،‬جاءنا من الهند‬
  ‫سرمدي‪ ،‬وهم منشغلون‬                                          ‫التي كانت صانعه الأول‬
                                                            ‫المميز حتى قلدها الآخرون‬
        ‫بالسيارات الكبيرة‬                                    ‫ونافسوها‪ ،‬وإن بقيت هي‬
     ‫وأحاديثها وحوادثها‪،‬‬                                       ‫في الصدارة كبلد المنشأ‪،‬‬
 ‫وبالمواصلات الأكثر سعة‬                                        ‫وليست مصر كالهند في‬
  ‫وشهرة كالميكروباصات‬                                      ‫جميع الأحوال‪ ،‬أعني ليست‬
      ‫خصو ًصا‪ ،‬وبالطرق‬
    ‫وتعاريجها والتواءاتها‬                                        ‫البيئة المصرية كالبيئة‬
                                                           ‫الهندية‪ ،‬ولكنها الحقيقة التي‬
         ‫وحفرها الطبيعية‬                                  ‫غفل عنها الجميع فترتب على‬
‫والصناعية‪ ،‬وبموانعهم أين‬
‫يضعونها ومتى يرفعونها‪.‬‬                                       ‫الغفلة ما ترتب من الرزايا‬
                                                             ‫والمآسي‪ ،‬بدأ في الشوارع‬
  ‫لا يكون سائق التوكتوك‬
   194   195   196   197   198   199   200   201   202   203   204