Page 116 - merit 46 oct 2022
P. 116

‫العـدد ‪46‬‬   ‫‪114‬‬

‫أكتوبر ‪٢٠٢2‬‬

   ‫العلاقات ودساتير الاستجابة‪ ،‬التي تم إنشاؤها‬
  ‫من خلال الإجراءات التأسيسية المجتمعية‪ ،‬يمكن‬
  ‫أن تضمن الاستقرار‪ .‬ولكن بقدر ما تنبثق سلطة‬

        ‫القوانين من أفعال واعدة متبادلة‪ ،‬فإن هذا‬
‫الاقتراح لا يعالج بشكل كاف قضية الاستقرار ولا‬

   ‫حلم الاستمرار‪ .‬تتطلب الوعود المتبادلة تفسي ًرا‬
    ‫موثو ًقا وغير متنازع عليه نسبيًّا ليكون بمثابة‬
‫أساس ثابت للتفاعل الاجتماعي‪ .‬ليس من الواضح‬
  ‫أنه يمكن إنشاء تفسير موثوق دون الاعتماد على‬
‫متانة البنى التحتية المادية‪ .‬في العديد من المجتمعات‬
   ‫المعاصرة‪ ،‬تجعل ممارسات إنفاذ التفاهم المادية‬

       ‫(التي تشمل وعود البقاء وأدوات التواصل‬
     ‫والزواج وما إلى ذلك) تفسي ًرا واح ًدا للقانون‬
‫الأساس المستقر والموثوق للنظام الاجتماعي‪ .‬ومن‬
 ‫الملاحظ‪ ،‬في هذا السياق‪ ،‬أن منى العساسي جعلت‬
 ‫بطلة روايتها تخبط القانون بالجدار ومعه رأسها‪،‬‬
    ‫لا تنتحر لكن لتستيقظ من الأوهام‪ .‬إنها تعتمد‬
 ‫مجاز ًّيا على متانة الأشياء المادية ولكنها لا تشرح‬
 ‫كيف يمكن أن تنشأ هذه المتانة من الكلام والفعل‬

                                       ‫وحدهما‪.‬‬
         ‫هي تبحث في كل سطر عن الدفء‪ ،‬لا عن‬
    ‫الفراديس الضائعة‪ .‬عن ضوضاء وجوده وعن‬
  ‫حبه ولا تجد شيئًا من ذلك في تفصيلات حياتها‬
       ‫اليومية سوى أمنيات‪ .‬لا تقبل بكل الحاضر‬
  ‫فحكمت عليه بأن يكون كل ما يحدث فيه مؤقت‪،‬‬
    ‫كل الناس مربوطون م ًعا بخيوط وعقدة‪ ،‬وهي‬
    ‫مربوطة بخيط الذكريات‪ .‬ملتصقون ملتزجون‬
   ‫بصمغ كاذب تنفر منه‪ .‬حتى إذا جلست وحدها‬
‫جاءها صوته من السماء من الشارع من الجدران‪.‬‬
       ‫وإذا أطبقت عينيها تراءت لها ألوف المواقف‬
 ‫السابقة معه‪ .‬وإذا سدت أذنيها تخيلت ما لا نهاية‬
    ‫له من الأحضان والحوارات والأغاني والدخان‬
      ‫وكلام الحب وكلام الغضب‪ .‬علبة خواطرها‬
 ‫كمقهى وجودي يتفلسف فيه الشعراء والبسطاء‪،‬‬
      ‫تختلط فيه أصواتهم وصرخاتهم وأحلامهم‬
     ‫الضائعة والأشواق‪ ،‬دخانهم وأبخرة قهوتهم‬
      ‫ورغبتهم في أن يكونوا م ًعا‪ ،‬وألا يكونوا معا‪.‬‬
    ‫“لم يمر الكثير من الوقت حتى امتلأ الرصيف‬
‫بالمسافرين‪ ،‬ولم أعد أرى سوى أقدام‪ ،‬لم أعد أميز‬
   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121