Page 118 - merit 46 oct 2022
P. 118

‫العـدد ‪46‬‬                  ‫‪116‬‬

                                                    ‫أكتوبر ‪٢٠٢2‬‬

 ‫النهاية على الاعتراف أنه في وقت ما أثناء القراءة‪،‬‬    ‫لتصنع سلا ًما حقيقيًّا لروح اعتنقتك دون موعد‪،‬‬
‫في خضم مشاعرهم المتزايدة قد اقتربوا من الحياة‬       ‫تعال لتعيد لقلبي إيقاعه‪ ،‬لتعيد نضرة الحياة»‪ .‬وفي‬
                                                     ‫الليلة الرابعة عشر بعد الهدنة تعترف بما تشتمله‬
                ‫في مأساة صغيرة حافلة بالكثير‪.‬‬
    ‫هل تأثرت منى العساسي بكتابات نورمان أو‬              ‫روحها من شهوة أنثى وعبث طفلة‪« :‬أشعر أن‬
    ‫وولف أو أوستن أو جين مانسفيلد؟ قط ًعا لا‪.‬‬       ‫هناك فتاة أخرى داخلي تعشق الظلام‪ ،‬تستيقظ في‬
    ‫ذلك شيء آخر‪ :‬إنها تتواجد تحت ذات السقف‬
     ‫الجمالي الذي شيدوه‪ .‬ربما هي لا تقف تحت‬            ‫جسدي بعد أن أنام‪ ،‬وتعبث بتركيبتي النفسية‪،‬‬
   ‫سقف همنجواي أو بروست‪ ،‬لكن ولا واحد من‬              ‫تعيد هيكلة أفكاري‪ ،‬وقناعاتي‪ ،‬وتمنحني صيغة‬
 ‫هؤلاء تأثر بالآخر‪ .‬ولا واحد بينهم أعجبته كتابة‬        ‫جديدة لقبول كل ما أعتبره محر ًما‪ ،‬أو مذمو ًما‪،‬‬
    ‫الآخرين عمو ًما! وعلى حد قول ميلان كونديرا‬
  ‫في حوار معه‪ :‬ما يفترض أن يشغل اهتمامنا هو‬                ‫تجعل الهواجس المرعبة شهية لذيذة كنوع‬
  ‫جنس الرواية وليس جنس من يكتبونها‪ .‬إن كل‬           ‫الشيكولاتة المفضل لد َّي‪ ،‬تسحبني في طرق ملتوية‬
   ‫الروايات العظيمة وكل الأعمال الصادقة ثنائية‬
 ‫الجنس‪ .‬وهذا يحيلنا إلى القول بأنها تعبر عن كل‬                  ‫ومتشابكة حتى لا أستطيع العودة!»‪.‬‬
   ‫من الرؤية الأنثوية والذكورية للعالم‪ .‬أما جنس‬
   ‫الكتَّاب فهو شيء يقع ضمن خصوصياتهم ولا‬                        ‫نزهة في الروح‬
 ‫ينبغي برأيي أن يستدعي الأمر منا الالتفات إليه‪.‬‬
    ‫“صوته المجهد يجيبها بارتباكه وعجزه‪ :‬نعم‪،‬‬          ‫في هذه الرواية‪ ،‬نستكشف نوع أنطولوجيا القوة‬
                                                         ‫الكامنة في التذكر وإعادة ترتيب المشاعر لفهم‬
       ‫ولكن‪ ..‬لم يكن يدرك أن كلمة (لكن) ليست‬            ‫الأدوار المختلفة التي يمكن أن يلعبها الانجذاب‬
 ‫استدرا ًكا لشىء مؤجل‪ ،‬سقط سه ًوا أو عم ًدا‪ ،‬إنما‬
                                                     ‫غير المبرر في إنشاء الأحلام والحفاظ عليها‪ .‬كيف‬
   ‫كانت تعمل هنا كشفرة زمن حادة‪ ،‬زمن هارب‬           ‫تتناسب الرغبة مع فهمنا لمنطق العالم الاجتماعي؟‬
‫ومفتت‪ ،‬سينقش جر ًحا عمي ًقا بقلبها المشغوف به‪.‬‬
‫ها هي خطوط الزمن ترتسم على وجهه تحاول أن‬              ‫غالبًا ما تكون الأنطولوجيا الاجتماعية لدينا هي‬
‫تلمسها‪ ،‬تتأمل نفسها‪ ،‬وتطبع ُقبلاتها عليه‪ ..‬شيء‬        ‫نقطة البداية للاستفسارات المعيارية؛ إنها تشكل‬

     ‫ما بداخلها ينبئها بأن هذا هو اللقاء الأخير»‪.‬‬       ‫نوع الأسئلة المعيارية التي نعتبرها مهمة‪ .‬على‬
       ‫تشتمل كل رواية رومانسية على عنصرين‬                ‫سبيل المثال‪ ،‬يجادل رالف نورمان بأن الفهم‬
                                                     ‫التقليدي للمجتمع باعتباره «مشرو ًعا تعاونيًّا من‬
    ‫أساسيين‪ :‬قصة حب مركزية‪ ،‬ونهاية مرضية‬               ‫أجل المنفعة المتبادلة» ليس نقطة انطلاق مضيئة‬
‫ومتفائلة عاطفيًّا‪ ،‬قصة حب مركزية‪ :‬تدور الحبكة‬       ‫للتحقيق المعياري في العملية السردية‪ ،‬والتي تقوم‬
                                                      ‫على الهيمنة لفكرة ذاتية أسا ًسا‪ .‬إنه يطرح أسئلة‬
     ‫الرئيسية حول الأفراد الذين يقعون في الحب‬       ‫حول التعاون العادل مع إعطاء أولوية أقل للأسئلة‬
 ‫ويكافحون من أجل إنجاح العلاقة‪ .‬ليست الأمور‬              ‫المعيارية حول المظالم التاريخية‪ ،‬والانتهاكات‬
‫هنا كذلك تما ًما‪ ،‬هل النهاية متفائلة رغم اضطراب‬         ‫المنهجية للشخصية‪ ،‬والهياكل المادية الراسخة‬
                                                    ‫المسؤولة عن عدم المساواة الاجتماعية على مستوى‬
       ‫العلاقة واعتراف البطلة أنها تحب القصص‬            ‫النفس والشعور‪ .‬ينشأ اهتمام مماثل لوجهات‬
   ‫والعلاقات التي تضعها فوق فوهة بركان؟ هذه‬            ‫النظر التي لا تترك مجا ًل للسيطرة لتلعب دو ًرا‬
 ‫هي الفقرة الأخيرة في الرواية‪« :‬وضعت سماعات‬          ‫معق ًدا في إنشاء النظام الاجتماعي للنص والحفاظ‬
‫الهدفون في أذنها وحملت حقيبتها وتركت كرسيها‬           ‫عليه‪ .‬كيف إذن نصوغ أنطولوجيا للسلطة قادرة‬
   ‫مستبدلة التذكرة مع شاب بالكرسي الأمامي‪..‬‬         ‫على التعرف على الأدوار السياسية المختلفة للسرد؟‬
                                                      ‫ديكورات نص رواية (ليالي الهدنة) ليست مجرد‬
      ‫أخذت نف ًسا عمي ًقا وصرخت في نفسها‪ :‬إنها‬       ‫هندسة عارية بل هي أقرب إلى متاهة يضيع فيها‬
                                       ‫البداية!»‬      ‫الأبطال والمؤلفة والقاريء ويجبرون أنفسهم في‬
   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122   123