Page 122 - merit 46 oct 2022
P. 122
العـدد 46 120
أكتوبر ٢٠٢2
«أبحث في الزحام عن وجه اعتدت أن أودعه بقبلتين النفس التوق دائ ًما للذي غاب ،ولم يعد في متناول
ومكالمة هاتفية وشغف كبير لضمة أحملك فيها بين الذات بعد أن كان يعيش حولها وفي كنفه تحوم.
أضلعي قبل الرحيل» ص .37في ظل هذا الضجيج، إن العجوز الذي رأته في منامها ،ونظر إليها بعينين
دامعتين وربت على كتفها هو رجل يشبه أباها،
وتلك الأقدام المتسارعة ،والأصوات المتداخلة ،لم
يعد ممي ًزا وقو ًيا وواض ًحا غير صوت واحد جاء الساردة امرأة تعيش في تفكير دائم في الرجل
مصدر السعادة والشقاء ،الحضور والغياب،
من بعيد ،سكن من أجله العالم تقول عنه «كي القسوة والحنان ،ما بين رجل تجتر حنينه في حلها
يهمس في قلبي قبل أذني سؤال مباغت شغوف وترحالها ،وبين رجل يشبه أباها في المنام ،وبين
متي ستأتين» ص .38في ظل هذا البحث عنه بين ابنها الذي يعيش في كنفها ،معها في سريرها يحاول
الوجود المحيط ،بين الحاضرين في خارطة الرؤية، إيقاظها الدائم من براثن أحلام اليقظة والنوم،
الغائبين من صفحة القلب حيث لا يوجد غيره ،ولا هي تري حبيبها في كثيرين تقابلهم ،من يجلسون
يقيم في تجويفها سواه ،نظرت في وجوههم فلم قبالتها في المقهى ،أو فيمن تقابلهم في الشارع ،أو
تجد ما يلبي شوقها للقاء «انصرفت وحيدة ممزقة محطة القطار .كثي ًرا ما تنادي عليه في حضوره
الدائم وفي غيابه المستمر «تعال لتصنع سلا ًما
تعبث برأسي الأفكار ،وتعبث أناملي بالهاتف، حقيقيًّا لروح اعتنقتك دون موعد ،تعال لتعيد لقلبي
وهي تطلبك طلب العاجز للرحمة ،هامسة بصوت إيقاعه ،لتعيد نضرة الحياة» ص .60تسأله كيف
تستطيع أن تفر منه وتنجو «وطعمك اللاذع طاغ
ج ًّدا بأحمر شفاهي؟ كيف أنجو ورائحتك المختلطة
بعبق القهوة الممزوج بحبات القرنفل والهال ورائحة
التبغ القوية تخرج من أنفاس زجاجة العطر فأجدك
تفوح من أثوابي» ص.126
في يومها تطاردها أفكارها،
أحلامها التي تجتمع في ذهنها
مع بداية كل صباح ،مع جرحها
العميق الذي تركه غياب الرجل
الذي أحبت ،في ظل هذا الشعور تذهب
إلي محطة القطار التي اعتادت،
هل تفعل ذلك لتصنع غيا ًبا
معاد ًل لغيابه؟ حيث شعور
الترحل والغياب الذي بداخلها،
جلست علي المقهى المجاور للمحطة حتي
يتمكن موظف شباك التذاكر من الحصول
لها علي تذكرة بعد أن اعتادت التأخر ،على
المقهى تعيش تجربة أحلام اليقظة ،تعيش
حالة الوجوه من حولها ،تبحث عنه فيهم ،خيال
دائم تلوم نفسها عليه وتعترف بأنها أسرفت في
الخيال ،حينما تراه في كل من تقع عليه عيناها ،هي
لحظة الوداع الدائمة التي تستدعيه ،دون أن يكون
الاستدعاء لغائب فهو قمة الحضور في الغياب