Page 120 - merit 46 oct 2022
P. 120
لولا حبه الكامن ،وعشقه المقيم ما كان أغمضت الساردة عينيها لتبحث عن
«لكنه ليس عقلي؛ بل وجوده هو داخل شيء من السلام النفسي؛ لكنها
عقلي ،هذا بالتحديد هو ما صنع كل هذا وبدورها الدائم في التفكير في
التناغم ،هو ما صنع هذا الخلق الجديد»
ص .132استطاعت الساردة في عالم جنس الرجل أ ًّيا كان هذا الرجل ،وأيا
عقلها الذي بنته أن تجعل لكل معني كانت منزلته في تفكيرها ،الرجل
رو ًحا ولو ًنا وملم ًسا ،بمعني أنها جعلت
للخوف ملمس الخيش ،وجعلت للدهشة العجوز المنهك الذي رأته يحاول أن
رائحة البنفسج ،وجعلت للذة لون الفل. يلحق بها في الحلم ،هو رجل أخرس
تبدأ الرواية بالعزف على تيمات عديدة: صامت ،لا يستطيع أن يومئ أو يشير
كاللوعة والانتظار ،والفقد والاغتراب، بشيء يفصح به عما يريد ،تطرح
والحب حد المرض ،والذي لا ينال من
سؤًل وجود ًّيا يفسر هذا الصمت "لا
ورائه صاحبه غير التعب ،الحب في
هذه الرواية حد الفناء في المحبوب، أدري إن كان فقد صوته أم أجبرته
الساردة دائ ًما تبحث عن العلاقات الأيام على الصمت"؟
القاسية التي تضعها حسب تعبيرها
«فوق فوهة البركان ،العلاقات التي
تعتصرني بنبضها غير المنتظم» ص،81
ظل التحديق في كل شيء حولها: الأدوار ،ومعتراف بوجوده على جميع المستويات.
الحوائط ،الستائر ،السقف ،الهاتف قبلة السؤال في رواية (ليالي الهدنة)( )1للكاتبة مني العساسي
والجواب ،وانتظار الصوت الذي يبعث الطمأنينة نري الشخصية الرئيسة راوية ومرو ًّيا عليها تقفز
في القلب الذي مل الغياب ،تتخبط الساردة (راوية طوال الوقت فوق الأمكنة والأزمنة ،تعيش تناق ًضا
ومرو ًّياعليها) في عدد من الهلوسات ،فرضتها كبي ًرا بين طفلة تعبث بها البراءة والحب ،كما يعبث
صنوف الغياب التي جاءت بعد فترات الحضور بداخلها شغب مباغت ،كذب وثرثرة ولهو ،وبين
الميت ،تصف اللقاء الأول بالشغف ،واللقاء الثاني أنثي مفعمة بالحيوية والشبق والذكاء والتحضر
بالغواية ،واللقاء الأخير بالعمق ،تعيش حالة والهمجية والفوضى ،من خلال هذا التكوين
هستيرية لا تستطيع أن تثبت على حالة واحدة من استطاعت أن تحول الأشياء المعنوية إلي أشياء
حالاتها العديدة ،الضحك ،البكاء ،السعادة ،الفرح، محسوسة ،تجعل العالم من حولها يضج بالحياة،
في عبارة معبرة تصف الكاتبة هذه العلاقة بقولها
علي لسان الساردة «كيف لك أن تصل إل َّي بهذا حين تدخل غرفتها تستحضر معها من أحبت،
وتجعل لكل شيء رائحة ،لكل شيء صامت صو ًتا ،العمق ،وتهجرني بتلك القسوة» ص ،30المحب
ولكل شيء لا يري ملم ًسا ،ولكل شيء عديم اللون
-خاصة المرأة -حين يحب ،يحب بكل أعماقه ،بكل لو ًنا ،تخلق عالمًا متكام ًل مبه ًرا؛ بل تمدح العقل
كيانه ،وحين يقسو ،يقسو بكل أعماقه وكل كيانه البشري الذي استطاع أن يفعل ذلك ،بل وشمل
أي ًضا ،والرجل لا يختلف كثي ًرا حين يهجر ،فيهجر
بكل أعماقه أي ًضا ،الساردة البطلة هنا تناجي الغائب مدحها اللغة التي كان لها الدور المهم حين منحت
الحاضر دو ًما في وجدانها ،تتذكر معه وبه كل ما مفرداتها القدرة أن تقيم «وجو ًدا فعليًّا مجس ًدا
كان بينهما ،تجتر معه أقواله وأفعاله لحظات بثه ذا ملمس ولون ورائحة» ص132؛ لكن الساردة
وببراعة العاشقة ورقتها لا ُترجع إقامة هذا الكيان مشاعره لها ،ولحظات مناجاتها له «أنا الجميلة
ج ًّدا حد الإبهار ،ألست أنت من قال هذا؟» ص،30
الموازي لعقلها؛ بل لوجوده هو داخل عقلها أي أنه