Page 149 - merit 46 oct 2022
P. 149

‫‪147‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

   ‫حيث هو دين يرشد الناس إلى‬        ‫القرآن هدى للعالمين‬               ‫يكمن فيها سر الإعجاز؟ ثم انتقل‬
     ‫ما فيه سعادتهم‪ ،‬في حياتهم‬                                        ‫إلى تركيب الحركات والسكنات في‬
                                   ‫منهج الإمام محمد عبده (‪-1849‬‬
 ‫الدنيا وحياتهم الآخرة‪ ،‬فإن هذا‬       ‫‪1906‬م) في التفسير مبني على‬        ‫الجمل القرآنية‪ ،‬ونفي أن يكون‬
     ‫هو المقصود الأعلي منه‪ ،‬وما‬      ‫نظرته إلى القرآن ذاته باعتباره‬      ‫لذلك أثر كبير في هذا الإعجاز‪،‬‬
                                      ‫«كتاب هداية» أو «كتاب دين»‬        ‫ثم تناول المقاطع والفواصل في‬
   ‫وراء ذلك من المباحث تابع له‪،‬‬                                         ‫الآيات وهكذا‪ ،‬حتى بلغ مرحلة‬
   ‫أو وسيلة لتحصيله» (الأعمال‬       ‫في الجوهر والأساس‪ ،‬وقد كانت‬         ‫القول بـ”النظم”‪ ،‬وكاد يحصر‬
                                   ‫رؤيته للقرآن الكريم وللنهج الذي‬        ‫سر الإعجاز فيه‪ ،‬قال‪« :‬وكما‬
      ‫الكاملة للإمام محمد عبده‪،‬‬
               ‫د‪.‬محمد عمارة)‪.‬‬         ‫نهجه عند تفسيره‪ ،‬أحد المعالم‬         ‫ُيفتح لك الطريق إلى المطلوب‬
                                   ‫البارزة في الإصلاح الديني عنده‪.‬‬         ‫لتسلكه‪ ،‬وتوضع لك القاعدة‬
  ‫وتطبي ًقا لهذا المنهج الذي نهجه‬                                       ‫لتبني عليها‪ ..‬وجدت المع َّول على‬
  ‫الإمام في التفسير وجدناه ينكر‬      ‫يرى الأستاذ الإمام أن الإعجاز‬      ‫أن هاهنا نظ ًما وترتيبًا‪ ،‬وتألي ًفا‬
  ‫ويستنكر موقف الذين يبحثون‬              ‫الحقيقي للقرآن ليس لغو ًّيا‬       ‫وتركيبًا‪ ،‬وصياغ ًة وتصو ًرا‪،‬‬
   ‫عن حقائق العلوم الطبيعية في‬          ‫‪-‬في الأساس‪ ،-‬كما أنه غير‬          ‫ونس ًجا وتحبي ًرا” (نقلا عن ‪:‬‬
   ‫القرآن الكريم‪ ،‬أما ماعرض له‬                                          ‫إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ‪،‬‬
   ‫القرآن من إشارات كونية فإن‬          ‫مستمد من كونه كتاب فن أو‬             ‫مصطفى صادق الرافعى)‪.‬‬
                                       ‫أدب أو تاريخ أو علوم‪ ،‬وإنما‬     ‫ونظرية النظم من أهم النظريات‬
    ‫مقصده هو العبرة والعظة لا‬       ‫من كونه كتاب دين يهدي الناس‬           ‫التي فسر بها المتقدمون عجز‬
  ‫تقرير الحقائق وإيراد النظريات‬        ‫إلى المجتمع الفاضل والطريق‬           ‫البشر عن الإتيان بمثل هذا‬
                                      ‫السوي والخلق العظيم على مر‬       ‫القرآن‪ ،‬وهي نظرية تلتقي عندها‬
     ‫فمث ًل‪« :‬حقيقة البرق والرعد‬                                            ‫علوم اللغة بسائر فروعها‪،‬‬
     ‫والصاعقة وأسباب حدوثها‬             ‫الأزمنة رغم اختلاف المكان‬       ‫وعلم الكلام كذلك‪ ،‬بحيث صار‬
   ‫ليست من مباحث القرآن لأنها‬       ‫وتعدد الأجناس‪ ،‬فـ»القرآن ليس‬        ‫للأشاعرة –مث ًل‪ -‬تصور خاص‬
                                    ‫كتا ًبا فنيًّا فيكون لكل مقصد من‬    ‫لـ»نظرية النظم” يقابله تصور‬
       ‫من علم الطبيعة وحوادث‬
    ‫الجو التي في استطاعة الناس‬        ‫مقاصده باب خاص به‪ ،‬وإنما‬                  ‫آخر للمعتزلة‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
 ‫معرفتها باجتهادهم‪ ،‬وإنما ُتذكر‬        ‫هو كتاب هداية ووعظ ينتقل‬
‫الظواهر الطبيعية في القرآن لأجل‬       ‫بالإنسان من شأن من شئونه‬
   ‫الاعتبار والاستدلال على قدرة‬        ‫إلى آخر‪ ،‬ولذلك فإن التفسير‬
     ‫الله وحكمته‪ ،‬وصرف العقل‬         ‫الذي نطلبه هو‪ :‬فهم الكتاب من‬
  ‫إلى البحث الذي يقوي به الفهم‬
 ‫والدين” (الأعمال الكاملة للإمام‬
    ‫محمد عبده‪،‬‬
 ‫د‪.‬محمد عمارة)‬
    ‫فـ”ليس من‬
 ‫وظائف الرسل‬
  ‫عمل المدرسين‬

        ‫ومعلمي‬
     ‫الصناعات‪،‬‬
‫فليس مما جاءوا‬
‫له تعليم التاريخ‪،‬‬
  ‫ولا تفصيل لما‬
    ‫يحتويه عالم‬
   ‫الكواكب‪ ،‬ولا‬
   144   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154